بحكمة انفرجت الأزمة الخليجية، ووُضعت المسيرة من جديد على طريق التعاون والتقدم بإضافة أوجه تعاون وتنسيق أخرى يتوقع أن تقرها القمة الخليجية المزمع التئامها في الثامن من شهر ديسمبر الجاري في العاصمة القطرية الدوحة، وبذلك تكون دول مجلس التعاون قد انتقلت إلى مرحلة أعلى من التكامل لمواجهة التحديات العديدة التي قد تواجهها في السنوات القادمة. وبالإضافة إلى أشكال التنسيق السياسي والأمني المهم، فإن القضايا الاقتصادية تشكل أحد أهم المحاور التي يمكن تحقيق تقدم ملحوظ فيها من خلال اعتماد تنفيذ بعض الاتفاقيات التي سبق وأن أقرت في الأعوام الماضية. وفي مقدمة هذه الاتفاقيات، تأتي الاتفاقية الخاصة بالبدء في التنفيذ الكامل للتعرفة الجمركية الموحدة أو الاتحاد الجمركي اعتباراً من الأول من يناير 2015، أي بعد أيام قليلة من انتهاء أعمال القمة، وهو أمر في غاية الأهمية للمضي قدماً في إنجاز بقية بنود السوق الخليجية المشتركة، علماً بأنه جرى الحديث عن إمكانية تمديد فترة التنفيذ، إلا أن إقرارها النهائي أمر متوقع في قمة الأسبوع القادم. ولتبيان بعض أوجه أهمية الاتحاد الجمركي، يمكن الإشارة إلى أنه قبل التطبيق الجزئي لبنود الاتحاد الجمركي في عام 2003 ظل التبادل التجاري الخليجي البيني ولعقدين كاملين من التأسيس، يتمحور حول 6% من إجمالي التجارة الخارجية لدول المجلس، إلا أنه منذ عام 2003، ارتفع التبادل البيني بصورة ملحوظة لتبلغ نسبته 9% وهو تطور لافت لتنمية العلاقات التجارية بين هذه الدول. وإذا أخذنا تجارة دولة الإمارات مع بقية دول المجلس، كمثال، على اعتبار أن الإمارات تشكل أهم مركز تجاري في المنطقة، فإن بيانات وزارة الاقتصاد تشير إلى أن قيمة التبادل التجاري بينها ودول المجلس الأخرى بلغت 96,4 مليار درهم (26,2 مليار دولار) في عام 2013، مقابل 80,7 مليار درهم (22 مليار دولار) في عام 2012 وبنسبة ارتفاع كبيرة بلغت 19,5%. وفي حالة عدم تأجيل الأخذ ببقية بنود الاتحاد الجمركي وتطبيقه بصورة كاملة في بداية شهر يناير القادم، فإن التجارة البينية والتبادل التجاري الخليجي بشكل عام سيشهد نقلة نوعية أخرى ستؤدي إلى تكون منطقة تجارية واحدة لا تفصل بينها أية حواجز أو حدود جمركية. ويعني التطبيق الكامل للاتحاد الجمركي من بين أمور أخرى، اعتماد نقطة الدخول الواحدة من أي دولة خليجية، بحيث يمكن للسلع العبور إلى بقية دول المجلس بحرية تامة بعد المرور بنقاط المراقبة العادية، ما سيسهل كثيراً من انتقال السلع والخدمات ويفتح الطريق أمام استكمال بقية متطلبات السوق الخليجية المشتركة. وفي جانب آخر، سيمنح ذلك دول المجلس قوة تفاوضية في علاقاتها التجارية الدولية، باعتبارها منطقة تجارية واحدة يمكن من خلالها تحسين شروط التفاوض وتحقيق مكاسب إضافية، خصوصاً أنها تخوض حالياً جولات من المفاوضات مع العديد من البلدان الكبيرة، مثل الصين وبعض التكتلات، والاتحاد الأوروبي، لإقامة مناطق للتجارة الحرة معها. وبالإضافة إلى ذلك، فإن هناك مجالات أخرى للتعاون والتكامل الاقتصادي لا تزال بحاجة للاستكمال، وبالأخص في المجالين المالي والمصرفي، وفي مجال تنسيق وتوحيد السياسات الاقتصادية تمهيداً لإيجاد اقتصاد خليجي متكامل، ما سيشكل قوة اقتصادية مؤثرة. لقد أضحى التعاون والتنسيق الاقتصادي الخليجي يشكل أهمية بالغة للمؤسسات والأفراد على حد سواء، وهو يوفر سوقاً كبيرة نسبياً تتيح تنمية القطاعات الاقتصادية غير النفطية للمساهمة في تنويع مصادر الدخل وتنمية التبادل التجاري وتسهيل انتقال رؤوس الأموال واستثمارات القطاع الخاص، بما فيها الاستثمارات الصغيرة بين أسواق الخليج، ما يمثل مصلحة عامة، ويدعم إمكانية تشكل سوق واحدة سيترتب على إقامتها مكاسب مهمة لدول المجلس كافة.