من الصعب عند التعرض لقضايا الصحة العامة، أو ذكر قائمة أسباب الوفيات بين الأطفال والمراهقين، أن يتبادر للذهن الموت بسبب الغرق، كأحد أهم هذه القضايا. ويعود السبب في ذلك إلى أنه حتى وقت قريب، لم تجر دراسات أو إحصائيات عن أعداد من يلقون حتفهم غرقاً سنوياً، وهو ما تغير منتصف الشهر المنصرم، مع نشر منظمة الصحة العالمية لأول تقرير عن الوفاة بسبب الغرق، والذي حمل عنوان «التقرير العالمي عن الغرق: الوقية من قاتل رئيسي». ويحمل هذا التقرير نتائج إحصائيات، أقل ما توصف به أنها صادمة، حيث يقدر عدد من يلقون حتفهم سنوياً غرقاً بأكثر من 372 ألف شخص، أكثر من نصفهم دون سن الخامسة والعشرين. ويشكل المراهقون والأطفال جزء لا يستهان به من هذه القضية الصحية دولية الأبعاد، حيث يلقى أكثر من 140 ألف مراهق وطفل حتفهم سنوياً غرقاً، مما يجعل ضحايا الغرق بين أفرد هذه الطائفة العمرية كل عام، أكثر عدداً من ضحايا فيروس الحصبة (125 ألف سنويا)، وضعف عدد ضحايا ميكروب السل (69 ألف سنويا). وبناء على هذه الأرقام والبيانات، يحتل الموت غرقا، مكانة مهمة بين قائمة أسباب الوفيات العشر الأولى، بين سن الواحدة وحتى سن الرابعة والعشرين. وكما هو معتاد مع الكثير من الأمراض التي تقتل الأطفال، تتحمل الدول الفقيرة، ومتوسطة الدخل، العبء الأكبر للموت غرقاً، حيث تبلغ أعلى المعدلات لهذه المشكلة الصحية في الدول الأفريقية، ودول جنوب شرق آسيا، ودول غرب المحيط الهادئ. وإنْ كان بعض الخبراء يحذرون من أن معدلات الوفاة غرقاً في الدول الغنية، هي في الحقيقة أعلى من التقديرات الحالية، كون البيانات الرسمية لا تتضمن جميع التفاصيل، بما في ذلك الموت غرقا بسبب الفيضانات، أو نتيجة الانتحار. وإذا نظرنا لمعدل الوفيات في بعض الدول، أو مسؤولية الغرق عن الوفيات بين كل 100 ألف من السكان، فسنجد أن هذه النسبة تصل إلى 11.8 في «جيانا»، و10 في «بيليز»، و7.3 في «تايلاند»، و6.3 في «فيجي»، و1.5 في الولايات المتحدة، و0.8 في بريطانيا. ومن السهل إدراك أن الوفاة غرقاً، من الممكن بكل يسر تجنبها ومنعها، وهو ما يسعى لتحقيقه تقرير منظمة الصحة العالمية سابق الذكر، من خلال عرض الأدلة والبراهين التي تظهر قدرة وفعالية استراتيجيات محددة لتجنب الموت غرقاً، كما ينص التقرير على عدد من التوصيات، لإجراءات وتدابير يمكن أن تطبق، وأن تفعل، على المستويات المحلية والوطنية لمنع الموت غرقاً، وذلك ضمن الهدف الرامي لشحذ الجهود، وتوجيه الاهتمام، نحو أهمية التعاون على مستويات مختلفة. ومن ضمن الإجراءات والتدابير التي تظهر الدراسات والأبحاث فعاليتها في تجنب الغرق؛ نذكر: تعليم الأطفال منذ سن سنوات الدراسة الأولى أساسيات السباحة، وما يعرف بالأمن المائي، أو السلوكيات الآمنة حول أماكن تجمع المياه العميقة، بالإضافة إلى مهارات الإنقاذ الأساسية للمراهقين. حيث كثيرا ما يتعرض صغار السن للغرق في ظل وجود أصدقائهم وأقرانهم، وإذا كانوا على دراية بأساسيات مهارات الإنقاذ، فيمكنهم حينها أن يمدوا يد العون لمن يتعرض للغرق. وهو ما يمكن توسيع نطاقه ومداه، وخصوصاً على صعيد مهارات الإنعاش الطبي، ليمتد إلى بقية أفراد المجتمع من البالغين، الذين كثيراً ما يتواجدون حول أو قرب حوادث الغرق، دون أن يكونوا على دراية بأساسيات الإنقاذ المائي، أو مهارات الإنعاش الطبي. وبما أن معدلات الغرق تبلغ أقصاها في الفئة العمرية الممتدة من عمر عام واحد إلى أربعة أعوام، تتطلب هذه الفئة إجراءات خاصة. مثل عدم ترك الأطفال داخل أحواض الاستحمام (البانيو) الموجودة في حمامات المنازل دون رقابة، حيث يحتمل أن يمتلئ حوض الاستحمام، ويغرق فيه الطفل صغير السن. وهو ما ينطبق أيضاً على المنازل التي يوجد بها حمامات سباحة كبيرة، والتي يفضل أن تحاط بحواجز مانعة للأطفال، أو أن تجهز بأجهزة إنذار خاصة إذا ما سقط فيها الطفل، ويبقى وجود شخص بالغ مع الطفل، في حالة وجوده على مقربة من مياه عميقة، هو الحل الأفضل والمثالي من دون منازع. ويعتبر تطبيق تشريعات الأمن المائي في القوارب، والسفن، واليخوت الخاصة، وبقية وسائل النقل المائي بجميع أنواعها، كتوفر أطواق للنجاة، مساو لعدد الركاب، أو وجود قوارب نجاة كافية لجميع الركاب، من الإجراءات المهمة لمنع الغرق بين جميع الفئات العمرية. كما يعتبر عدم تحميل عدد من الركاب، أكبر من طاقة وسعة وسيلة النقل المائي، والتي يجب أن تقاد من قبل شخص مدرب ومؤهل، من الإجراءات التي يجب الالتزام بها حرفياً، لحماية العشرات، والمئات أحياناً، من الموت غرقاً. د. أكمل عبد الحكيم