الإعلام قضية وطنية مهمة لكل دول العالم، وهو قضية شائكة في أغلب الأحيان، لذا نجد أن التركيز عليه بات مسألة أمن وطني تحظى باهتمام قادة الدول. ونستذكر هنا ما خلقته قضية «ويكليكس» من ارتباكات وأزمات سياسية. وفي العالم العربي هو قضية تتصدر المشهد السياسي خلال الأعوام الأربعة الأخيرة، باعتبار أن «انفلات الإعلام» كانت له تأثيرات سلبية على الاستقرار في دول الاضطراب العربي. ففي أحيان كثيرة لم يفرق القائمون على الإعلام بين المصالح الوطنية وبين تخريب الاستقرار. أهمية «الإعلام» فرضت نفسها في دولة الإمارات وتمت مناقشتها كقضية وطنية تطرح في «اليوم الوطني»، لتكون موضع تحليل سنوي، لكن في إطار «إماراتي بحت»، وتحت لواء «منتدى الإعلام الإماراتي». وفي هذا الملتقى الذي يضم سياسة وإعلاميين وباحثين على أعلى مستوى، يتم رصد نقاط الضعف خلال السنة كما يتم إبراز نقاط القوة، وكذلك قراءة المخاطر التي يمكن أن تظهر في المستقبل. والواقع أن الإعلام الإماراتي أثبت قدرته على استيعاب التحولات الجديدة في وسائل الإعلام، ودولة الإمارات اليوم بيئة إعلامية توجد فيها أفضل الممارسات العالمية، والدليل أنها مقر للعديد من وسائل الإعلام العالمية. ومن خلال النقاش المحلي، يتضح أن هناك حرصا على أن يكون الإعلام وسيلة لخدمة الأوطان وألا يتحول إلى أداة تخريب عندما يستغلها من لا يفرقون بين الحريات الحقيقية وبين الفوضى الأمنية. ونتيجة لذلك، فإن توطين الإعلام في الإمارات هو واحدة من أكثر القضايا الإعلامية أهمية وصعوبة، لكنه ليس بالمهمة بالمستحيلة، خاصة إذا توفرت الإرادة السياسية، وهي متوفرة بالفعل كما هو واضح من حجم الاهتمام بالمنتدى، وإذا توافرت الرغبة لدى العاملين في وسائل الإعلام الذين أشادوا بالخطط المستقبلية لتوطين هذا القطاع، خاصة في الجانب الفني له، على اعتبار أن توطين الجانب الإداري يكاد يكون قد تحقق بنسبة مئة بالمئة. وتوطين الإعلام الإماراتي له شقان: الأول، وهو الأكثر أهمية، زيادة عدد الإماراتيين العاملين في هذا القطاع، وهذه نقطة في غاية الأهمية، لأن الإعلام لا يقل في خطورته عن أي قطاعات حساسة في الدولة، وربما أحياناً يكون هو الأهم. ومنطقياً، يصعب اقتصار القطاع الإعلامي في أي مكان من العالم، وبشكل كامل، على المواطنين فقط، لأن طبيعة الإعلام تعتمد على الكفاءة والتخصص، وبالتالي لا يصح منع الاستعانة ببعض الخبرات، ولكن في أقل الحدود الممكنة من العدد والمساحة. أما الشق الثاني، فهو أن الازدهار الاقتصادي للإمارات والمبادرات السياسية للدولة التي جعلتها لاعباً محورياً في المنطقة وفي العالم، يحتاج إلى أن يواكبه «ازدهار إعلامي» يستطيع من خلاله نقل المشهد الإماراتي بالصورة الصحيحة والمؤثرة، على اعتبار أن ليس كل ما ينقله الآخرون عنا صحيحاً أو يحمل رسالة مناسبة للإمارات. وهذا بالتأكيد لن يتم إلا من خلال توطينه بالعنصرين (العاملين فيه وبالخبر الإماراتي في وسائل الإعلام). وبالنظر للأهمية السياسية للإمارات وحجم تأثيرها في القرار السياسي العالمي، فإن دور الإعلام كأداة دبلوماسية، هو دور كبير في تحديد صورة الدولة، داخلياً وخارجياً. ويتضح من خلال ما يحدث على الساحة السياسية -في كل أركان المعمورة- مدى حساسية وحيوية مهنة الإعلام. فهو يساهم في رسم سياسات الدول. فعلى سبيل المثال، اتخذت الإدارة الأميركية قرار الحرب ضد «داعش» بسبب مقطع إعلامي أثار حفيظة الرأي العام العالمي لما يحتوي عليه من لقطات لعملية قطع رقبة مواطن أميركي. وبسبب الإعلام تحرك الرأي العام في لحظة «بلا وعي» وساهم في تخريب مجتمعه، في بعض الدول العربية التي أصابها ما يسمى بـ«الربيع العربي». بل بسبب عدم استيعاب «ثقافة المجتمع» بالشكل الصحيح، ساهم من دخلوا في مهنة الإعلام بـ«الصدفة» في تهييج الرأي العام العالمي ضد قضايا شعب بأكمله، وضاع الهدف. هناك العديد من البرامج تمارس الانفلات الفكري والتجاوزات الأخلاقية وتعتبرها نوعاً من «الحرية الإعلامية». معالجة مثل هذه التحديات بالتأكيد لن تتأتى إلا بالتركيز على العنصر الوطني، سواء في الإمارات أو غيرها من الدول، باعتباره الأداة الأهم لذلك. ولأنها فكرة تجمع أصحاب «الهم الواحد» في عالم التأثيرات الخارجية على المجتمعات المحلية، فإنها تبدو فكرة محمودة لأنها تشرك أبناء المهنة في تشخيص وضعهم وبالتالي وضع الأفكار المناسبة للعلاج.