المذابح التي نراها في العراق وسوريا محزنة ومؤثرة، حيث لا يتوانى مجرمو «داعش»، وعصابة الأسد عن ارتكاب جرائم فظيعة كل يوم، ولأن هذه التحديات تقع في الحيز المباشر، فإنه يصبح من الصعب النظر إلى ما يجري في مناطق أبعد، لكن يجب أن نثبت للعالم أن بلداناً آمنة ومزدهرة يمكن أن تخرج من رحم الحروب التي تخاض ضد التطرف العنيف؛ وهذا أحد الأسباب التي تجعل استمرار نجاح أفغانستان مهماً لنا جميعاً. وتكتسي أفغانستان أهمية كبيرة في المعركة العالمية ضد الإرهاب، والقائمة منذ 11 سبتمبر 2001. فاليوم، تراجعت «القاعدة»، وفقدت كثيراً من قوتها في أفغانستان، لكن، ومثلما أظهر الهجوم المروع الذي استهدف سيارة تابعة للسفارة البريطانية الأسبوع الماضي، وأسفر عن مقتل وإصابة موظفين يدعمون الدبلوماسية البريطانية، فثمة الكثير الذي ينبغي القيام به لتخليص أفغانستان من آفة الإرهاب. لذلك، فمن الحكمة والصواب أن يواصل المجتمع الدولي دعم القوات المسلحة الأفغانية. لكن المعركة في أفغانستان لا يمكن الفوز فيها بالقتال فقط، فمنذ بداية «عملية الحرية الدائمة» في 2001، أحرزت أفغانستان تقدماً مهماً في العديد من المجالات، مثل التعليم والصحة والاقتصاد وحقوق النساء، وبفضل دعم المجتمع الدولي الأوسع، بات بإمكان 6?7 مليون طفل، بينهم 2?5 مليون فتاة، الذهاب إلى المدرسة، كما ارتفع معدل الوصول إلى الرعاية الصحية من 9 في المئة عام 2003 إلى 50 في المئة حالياً؛ وتقلص معدل وفيات الأمهات بالنصف منذ 2001؛ وبات بإمكان أكثر من نصف النساء الحوامل تلقي الرعاية الطبية قبل الوضع؛ وارتفاع متوسط العمر المتوقع. ولحماية هذا التقدم المهم، يُعتبر استمرار دعم المجتمع الدولي على المدى الطويل بالغ الأهمية، وذلك لأنه إذا لم يتواصل تحسن حياة الناس في أفغانستان، من خلال النهوض بالصحة والتعليم وفرص العمل، فهناك إمكانية لخسارة المكاسب الأمنية المتحققة بشق الأنفس، وهو ما قد يؤدي إلى مزيد من زعزعة الاستقرار للمنطقة والعالم، وبالتالي، فإن نجاح أفغانستان يصب في مصلحتنا جميعاً. ولهذا السبب، سيستضيف رئيس الوزراء كاميرون والرئيس غني مؤتمراً دولياً في لندن يوم غد، الرابع من ديسمبر الجاري. وسيشكل المؤتمر مناسبة للحكومة الأفغانية والمجتمع الدولي لإعادة إطلاق علاقتهما الثنائية، ومنذ تنصيبه في التاسع والعشرين من سبتمبر، حدد الرئيس غني العناصر الأساسية لأجندة حكومة الوحدة الوطنية، وسيعلن أولوياته ورؤيته لتنشيط الاقتصاد. المؤتمر سيشكل فرصة للمجتمع الدولي لتجديد التزامه تجاه أفغانستان، وهو الذي رحّب بالتركيز على المحاسبة ومحاربة الفساد ضمن أجندة إصلاح شاملة في مجالات الأمن والاقتصاد ومناخ الأعمال والتعاون الإقليمي، وتمكين النساء، وإصلاح الانتخابات. هذا بينما من المنتظر أن تشهد 2015 اجتماعاً لمسؤولين رفيعي المستوى للمتابعة في كابول من أجل تجديد «إطار طوكيو للمحاسبة المتبادلة» الذي يحدد بتفصيل مزيداً من الالتزامات بخصوص المحاسبة المتبادلة بين المانحين والحكومة الأفغانية. وبينما تنظر أفغانستان إلى المستقبل، وتسعى للخروج من تأثيرات عقود من الحرب، تحت قيادة جديدة مع التزام بالإصلاح، يتعين على المجتمع الدولي السعي للانتقال من علاقة تقوم على المساعدات إلى علاقة اقتصادية متوازنة، وفي هذا الصدد، سيسعى مؤتمر لندن إلى دعم الإصلاحات التي ستسهّل هذا الانتقال نحو الاعتماد على الذات، علماً أن بلدان المنطقة، خاصة دولة الإمارات التي تُعتبر مستثمراً مهماً في أفغانستان، وتحتضن العديد من رجال الأعمال الأفغان، تُعتبر مؤهلة بشكل جيد للاستفادة من الفرص التي ستتيحها الإصلاحات. إن دولة الإمارات لديها تاريخ طويل في دعم الأفغان في سعيهم وراء الحرية والتقدم؛ حيث قدمت لهم مساعدات مالية وإنسانية، خلال مقاومة الاحتلال السوفييتي في الثمانينيات؛ وقدمت لهم خلال السنوات الأخيرة مساعدات عسكرية في إطار «قوات المساعدة الدولية لإرساء الأمن في أفغانستان»، كما قدمت القوات الجوية الإماراتية المشهود لها بالكفاءة، مساهمةً مهمةً لتميكن قوات الأمن الوطني الأفغانية من تحمل مسؤولياتها. ولعل ما يؤكد أهمية أفغانستان بالنسبة لدولة الإمارات هو مستوى التمثيل الرفيع في مؤتمر لندن، والذي يمثل مؤشراً مهماً على الالتزام الإماراتي الدائم تجاه أفغانستان. وسوف تشكل أفغانستان نجاحاً مستمراً؛ والحكومة الأفغانية الجديدة ستقود هذا النجاح، لكنها تحتاج لدعم المجتمع الدولي من أجل محاربة الإرهاب، وتطبيق الإصلاح، وتطوير الاقتصاد. فيليب بارهام سفير بريطانيا في الإمارات نجيب الله مجددي سفير أفغانستان في الإمارات