يعرف السياسيون والباحثون في الفكر السياسي أن عمر «العولمة» أو النظام العالمي الجديد، بدأ يؤسس لانطلاقته مع سقوط النظام الاشتراكي وعلى رأسه الاتحاد السوفييتي، ومع ظهور خارطة جديدة للعالم، ضمن الآفاق الباكرة لهذه الأخيرة، أفصحت عن نفسها، وهي خارطة جديدة قديمة على أساس أن ثنائية العالم السابقة (الغرب الرأسمالي والشرق الاشتراكي) لم تستطع الصمود أمام مقدمات العولمة. فكانت النتيجة الاستفراد بالعالم من قِبل النظام الجديد إياه. وتبرز الظاهرة الداعشية، بكل ثقلها وفظاعتها، لتضع الناس في رعب من وحشيته، والتي تحدث في قلوب الأطفال حالة غير مسبوقة من الأذى النفسي والاضطراب الجسدي. والتقى القطبان على ساحة السجال العالمي، وتبادلا التهم والوعيد. فلأول مرة نلاحظ أن النظام العولمي لم يعش أمام حصار جديد خطير لا مثيل له في خطورته، ليس على «العالم الحر» فقط، ولكن كذلك على حلفائه ممن ينتمون إلى الإسلام الاعتقادي. ومع إنجاز حد مناسب من التدقيق التاريخي والمقارنة البنيوية بين الظاهرتين الكبريين المذكورتين، يتضح أنهما كلتيهما تمثل نهاية حافة قصوى. فكلتاهما تجسد «آخر» يومها أو تاريخها. فالنظام العولمي يجد نفسه ضحية لنفسه، فالسوق المطلقة لم تعد تحتمل مزيداً من الضحايا الأحياء والأموات والمرشحين للموت، أما ضحايا البؤس والقتل والتجهيل والتخليف فقد بلغ عددهم أرقاماً لا تُحصى، خصوصاً مع الإفصاح عن السلاح الذي لم يعد يضارعه سلاح.. نقول: إن أولئك الضحايا -في قسم منهم- وصلوا إلى غاية تاريخهم الممثلة بميتة هادئة صامتة ليس بحاجة لمن يعلن عنها. أما الفريق الآخر من أولئك الضحايا، فهم الذين يشفون غليلهم ويهدئون ضمائرهم بنيل الثأر من أولئك الخارجين عن «القيم الإسلامية الحنيفة» والمارقين على القيم النبيلة. إن هذا جميعه يقود أولئك المفقرين والمهزومين من قبل الخارج الغربي والداخل العربي، إلى غبطة عظيمة، تعاقد بين الفريقين المذكورين (من الخارج الغربي الذي أذلّ تلك الكتلة التاريخية ودمّر مستقبلها من طرفها، ومن قِبل النظم العربية التي سدّت الآفاق عليها). لقد بلغنا النهايتين كلتيهما كخطّين مستقيمين لا يلتقيان. ويبرز العامل التاريخي البنيوي المتمثل بكون الغرب لا يجد نفسه معنياً بـ«داعش» وأمثالها، إلا بقدر ما لا يؤثر عليه سلباً. إن الغرب ليس مستعداً لإلحاق هزيمة بذلك التنظيم، إلا بقدر ما يُفضي ذلك إلى مصالحه. بل لعلنا نرى أن التراخي النسبي الذي تتعامل به الولايات المتحدة الأميركية مع الداعشيين إنما هو لمدّ يديها إلى هؤلاء في سبيل عدم اجتثاثهم نهائياً، بل لتأبيدهم وتأبيد مصالحها العولمية في البلدان العربية. ولإيضاح ذلك، نشير إلى أن الرئيس الأميركي أوباما لا يمكنه أن يجسد نموذجاً حقيقياً لدور المحرر للعالم العربي، بل يقدم نموذجاً براغماتياً ضعيفاً وغير صادق للقيام بهذا الدور. وبكلمة أخيرة قد لا تصح في حقول أخرى، لكنها تصح هنا فيما نحن بصدده، إنها هي التالية: ما حكّ جلدك مثل ظفرك! ويبقى الفعل السياسي مفتوحاً!