نحن في هذه الأيام نطير فرحاً بمرور اليوم الوطني الثالث والأربعين للدولة التي هدفت منذ النشأة الأولى إلى إسعاد المواطن ووضعه في المكان المناسب لخدمة وطنه. وها نحن اليوم نقطف ثمار ذلك الزرع الذي غرسه المغفور له بإذن الله تعالى، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رحمه الله وطيَّب ثراه، مع ساعده الأيمن المغفور له الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، رحمه الله، وأسكنهما الله فسيح جناته. وطننا اليوم لم يعد نقطة عابرة لا تكاد ترى في الخريطة العالمية، بل أصبحت الخريطة عاجزة عن احتوائه والعالم غدا باحثاً عن الاقتران به والالتصاق بإنجازاته كافة. فمشوار أكثر من أربعة عقود لم ولن يذهب سدى لأنه بني على أساس صلب من رفعة القلوب المخلصة والعيون الساهرة على مصلحة البلد الذي صنع صناعة طوبةً فوق طوبةً ومن فوقها بنيان هذا الإنسان، الذي كان الهدف والغاية لهذا الوطن المعطاء، فغرس زايد أثمر وأينع وسعد به أجيال وأجيال من الداخل والخارج، وقد ذاع صيته في أصقاع الأرض، فماذا علينا بعد؟! وما لم يحدث في عهد زايد الباني الأكبر لهذا الوطن، قد حدث اليوم، خاصة بعد الأحداث المأساوية لما سمي بـ«الربيع العربي» الذي أرخص الأوطان وحطم الإنسان والبنيان في آن، ولم يراع دعاة «الربيع الأحمر» للوطن ذمة ولا عهداً ولا ولاء ولا احتراماً. لقد أرادت فئة من شرائح المجتمع لدينا أن تتعامل مع وطننا الغالي على أساس أن من لا «يعرف الصقر يشويه»، وعلى هذا المنوال، فإن من لا يدرك قيمة الوطن الحقيقية، فإنه يبيعه في سوق نخاسة الأفكار الظلامية والسوداوية. وما يؤسف له أن بعض الفرحين بموجة «الربيع العربي» التسونامية التي طمرت كل جميل في تلك الأوطان التي انهار بنيانها على رؤوس الأشهاد، أرادوا استكمال فرصتهم الشامتة في دار زايد الخير، إلا أن صانع عهد التمكين صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، كان لهم بالمرصاد، فعندما دقت ساعة «الربيع العربي» المزيف، هبت صقور الوطن، وعلى رأسهم صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، والفريق أول سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، لبناء سد منيع من الفكر المنير ليقف ضد كل من ينوي العبث بمكتسبات الوطن التي كانت هدفاً لأصحاب الفكر النتن من الذين باعوا أنفسهم للأغراب عن أوطانهم وأهليهم وذويهم، حيث أرادوا مقابل ذلك وضع الوطن في سلة، ثمناً بخساً مقابل هدم هذا البنيان الراسخ، ولكن الله سلّم الوطن وما فيه من شر كل أفّاك أثيم الذي يرى نعمة هذا الوطن تخرق عينيه فيكفر بها جهاراً نهاراً. فالمواطن وسط هذا الخضم مطالب جيداً وبشكل دقيق للالتفات إلى ما يُحاك لهذا الوطن الغالي وحكامه الأشاوس من مكائد ومؤامرات بأسماء رنانة تخادع أبصار الجهلة، إلا أنها لا تمضي على إفهام أولي الألباب الذي يتولون زمام الوطن وشؤوننا بكل حصافة ورشادة عقل. وليس أدل على ذلك من إصدار مجلس الوزراء قائمة واضحة بأسماء 85 منظمة وحزباً وجماعة إرهابية كادت أن تنفذ مخططاتها الجهنمية في وطننا والأوطان التي سلبت منها الأمن والأمان والاستقرار مقابل الفوضى غير الخلاقة. لقد خرجت الإمارات في يومها الوطني الثالث والأربعين أقوى عوداً وأصلب قواماً وأرقى مكانة بعد أن استطاعت أن تثبت للعالم أجمع بأنها ضد الإرهاب بكل أنواعه ومخططاته، حتى ولو كانت بأيادي قلة من أبناء الوطن المخدوعين ببريق الأفكار الهدّامة وإنْ كان شعارها «إسلامياً» أو دينياً تحت أي «يافطة» كانت، فالهدف هو الذي فضح سمها من أوله، ونحمد الله أنه لم يتم آخره. فليجعل كل مواطن في هذا اليوم الأغر من وطنه أيقونة مستقبله وجنة حياته وقرة عينه ومركز ومدار اهتمامه ليل نهار، ويجعل من نفسه التي بين جنبيه وروحه التي تُطوقُ جسمه درعاً حصيناً تقي الإمارات نائبات الزمان، وتمنع أعوان الشيطان من اختراق حدودها الجغرافية والفكرية. إن تثمين الوطن- بوضعه في مكانه الصحيح الذي يرنو إليه- هو الهدية الغالية التي يجب على كل مواطن إهداؤها للإمارات في هذه الذكرى النفيسة. فثلاثة وأربعون عاماً كافية للجميع لمعرفة الإمارات خير المعرفة، فإذا كان على مستوى الفرد يُقال بأن من عاشر قوماً أربعين يوماً صار منهم، فما بالكم بمن بنى عظامه ولحمه ودمه من خير هذا الوطن، ألا يصير مذاباً في حب هذا الوطن وعاشقاً لكل ذرة من ترابه الطاهر، ومدافعاً عن أن يدنسه فكر شارد وعقل مارد. حدثنا أحد الطلبة المبتعثين في الخارج للدراسة قائلاً: «إنه كلما ركب الطائرة للسفر إلى تلك البلدان يدعو الله قائلاً: "اللهم لا تمتني هناك، بل أمتني هنا يا رحيم يا رحمن"»، هذا تعبير فطري لحب الوطن لا يغيب عن كل من لا يتعامل مع الوطن كسلعة تباع وتشترى في كل وقت وآن. أيها المواطن الكريم، أنت في هذا اليوم الوطني الثالث والأربعين مطالب أن تستعد دائماً لحمل روحك على كفك، وتعرف كيف تشوي الغربان الذين يسرقون الأوطان بأبخس الأثمان.