شهدت ناميبيا أول تصويت إلكتروني في أفريقيا، يوم الجمعة الماضي، حيث دُعي نحو 1?2 مليون ناخب للاقتراع في أربعة آلاف مركز انتخابي تتوفر على أجهزة إلكترونية للتصويت، مزودة بشاشات ذكية تعمل باللمس، وتتيح للناخبين الناميبيين اختيار رئيس بين تسعة مرشحين يمثلون مختلف الأحزاب، من: «المقاتلون من أجل الحرية الاقتصادية» في أقصى اليسار، إلى «الحزب الجمهوري» الخاص بالأقلية البيضاء في أقصى اليمين. لكن المرشح الأوفر حظاً للفوز بهذه الانتخابات هو رئيس الوزراء هاغي غاينغوب الذي تشير نتائج لجنة الانتخابات، أمس الأحد، إلى أنه يأتي في المقدمة بنسبة 77 في المئة من الأصوات. وإذا ما تأكد فوزه نهائياً بالمنصب، فسيصبح غاينغوب ثالث رئيس لناميبيا منذ استقلالها عام 1990، ليحل محل الرئيس المنتهية ولايته هيفيكيبونيي بوهامبا، الذي يمنعه الدستور من الترشح لولاية رئاسية ثالثة. فمن هو رئيس ناميبيا المرتقب؛ ماضيه السياسي ووعوده للناخبين حول مستقبل الأحوال في بلادهم؟ هاغي غاينغوب سياسي من ناميبيا، ورئيس وزرائها لمرتين، وهو قيادي مخضرم في حزب «سوابو» الحاكم ومرشحه لانتخابات الرئاسة الحالية. وقد ولد هاغي غاينغوب عام 1941 لعائلة من عرقية «دامارا» في منطقة أوتجايوارونجو بجنوبي غرب أفريقيا (ناميبيا لاحقاً) الواقعة حينئذ تحت وصاية جنوب أفريقيا. وأمضى طفولته في منطقة غرووتفونتين ثم في إقليم أوتافي. ودرس في مدرسة أوجوستنوم الثانوية، قبل إبعاده منها عام 1960 لمشاركته في احتجاج ضد سوء نوعية التعليم المخصص للسكان الأفارقة. ثم سمح له أخيراً بمتابعة تعليمه ليصبح معلماً في مدرسة «تسومب» الابتدائية. لكن لم تمض عليه فيها سنة حتى استقال وسافر إلى بوتسوانا لإكمال تعليمه الجامعي. ومن هناك حاول السفر خفيةً إلى دار السلام في تنزانيا، بمساعدة من «حزب المؤتمر الوطني الأفريقي» في جنوب أفريقيا، لكن المخابرات الجنوب أفريقية أحبطت خطته للسفر، فبقي ببوتسوانا وتم اعتماده فيها عام 1963 ممثلا لـ«منظمة شعوب جنوبي غرب أفريقيا» (سوابو). وهي تنظيم نشأ نقابياً عام 1960 للدفاع عن حقوق العمال السود، ثم حمل السلاح ابتداءً من عام 1966 لانتزاع استقلال نامبيبا من جنوب أفريقيا العنصرية التي تحتلها منذ عام 1920، وظل يتبنى العقيدة الماركسية طوال سني كفاحه. وفي عام 1964 سافر غاينغوب إلى الولايات المتحدة للدراسة، وأصبح ممثلا لـ«سوابو» في الأمم المتحدة حتى عام 1971، ولعب دوراً نشطاً في الاعتراف الدولي بالمنظمة كممثل لشعب جنوبي غرب أفريقيا وفي سحب الولاية القانونية عليه من جنوب أفريقيا. لكنه بداية من عام 1972 أصبح موظفاً في الأمم المتحدة حين تم تعيينه في الأمانة العامة للشؤون السياسية. وواصل غاينغوب دراسته الأكاديمية، إلى أن حصل على شهادة الدكتوراه في العلوم السياسية عام 1974، فتقرر في العام التالي تكليفه بإدارة «معهد الأمم المتحدة لناميبيا»، كمؤسسة مهنية مهمتها مد مشروع الجمهورية المنتظرة في جنوبي غرب أفريقيا بموظفي الخدمة العامة. وبعد أن كان غاينغوب عضواً في اللجنة المركزية لمنظمة «سوابو»، أصبح كذلك عضواً في مكتبها السياسي عام 1989، قبيل أول انتخابات تشارك فيها «سوابو» لإنشاء جمعية وطنية تأسيسية. وعندها عاد غاينغوب إلى بلاده بعد 27 عاماً من الغياب. وعقب تلك الانتخابات التي أعطت 57? من الأصوات لـ«سوابو»، في أكتوبر 1989، انتخب غاينغوب رئيساً للجمعية التأسيسية، فلعب دوراً مهماً في تحقيق المصالحة الوطنية. وعقب انتهاء مهمة الجمعية التأسيسية وحلها، فازت «سوابو» (وقد تحولت إلى حزب) في أول انتخابات عقب الاستقلال، في مارس 1990، وأصبح غاينغوب أول رئيس وزراء لناميبيا بقيادة الرئيس المؤسس «سام نجوما»، وظل في منصبه حتى عام 2002، ومثّل الوجه الدبلوماسي الليبرالي لحزب كفاحي ماركسي، كما أدى وجوده إلى معادَلة النزوع اليساري لـ«نجوما». وظل غاينغوب بعد إقالته من رئاسة الحكومة مشاركاً نشطاً في الحياة السياسية المحلية، وعاد في عام 2004 من مهمته في واشنطن لصالح «التحالف العالمي من أجل أفريقيا»، ليخوض الانتخابات البرلمانية على قوائم الحزب، وأصبح في أبريل 2007 رئيس كتلته البرلمانية في الجمعية الوطنية، وتم انتخابه في نوفمبر من العام ذاته نائباً لرئيس الحزب، كما تقلد وزارة التجارة والصناعة بين عامي 2008 و2012. ثم أعيد انتخابه مجدداً لمنصب نائب رئيس «سوابو» خلال مؤتمرها في ديسمبر 2012، وبعدها مباشرة عينه الرئيس بوهامبا رئيساً للحكومة، في تأكيد على اختياره لخلافته في منصبه. وها قد شكلت الانتخابات موعداً لغاينغوب مع المنصب، حيث بدا الناخبون مهتمين بحزبه، «سوابو» الذي كافح ضد الاستعمار ونظام الفصل العنصري وربح كل الانتخابات منذ 1990، أكثر من اهتمامهم بالبرنامج الانتخابي لغاينغوب نفسه، رغم ما يعد به من «سلام واستقرار ورخاء». ووفقاً لاستطلاعات الرأي الأخيرة، فإن نحو ثلثي الناخبين يرون أن حكومة «سوابو»، رغم ما تتمتع به البلاد من موارد معدنية وزراعية، أخفقت في حل مشكلات البطالة والفقر والفساد وضعف البنية التحتية.. وبدلا من حلها اختارت الإنفاق الضخم على أول اقتراع إلكتروني في أفريقيا، والتي لم تكن كثير من انتخاباتها دليلا على وجود ديمقراطية، بقدرما هي وسيلة لإدامة هيمنة الحزب الحاكم، لاسيما إذا كان مسنوداً بخلفية عسكرية أو بتاريخ نضالي (قومي أو ماركسي) يبرر له الاستمرار في الاستئثار بسدة السلطة، ولو بوسائل بعضها «حديث» و«ذكي» للغاية! محمد ولد المنى