ظهرت حركات جديدة في القرن العشرين حاولت الصهيونية السيطرة عليها، وأمكنها ذلك بسهولة، لأن البعض نشأ بتشجيع منها ولخدمة أهدافها. وقد عملت على تحويل الإسلام إلى حركة صوفية إشراقية، بعيداً عن الأرض، لا جهاد فيه لأعداء ولا نُصرة لشعوب. حركة لا تعتمد على العقل ولا ترتبط بالواقع، تعلن نهاية الخلاف بين الإسلام واليهودية، وتحرِّف القرآن، وتحذف منه كل الآيات التي تحتوي نقداً لبني إسرائيل. كما ظهرت نظريات العقل العربي لتستأنف النظريات العنصرية القديمة؛ فهناك منهج عربي في التفكير، وأسلوب عربي في الحياة.. مقابل منهج التفكير اليهودي، وأسلوب الحياة اليهودي.. والفرق بينها هو الفرق بين التخلف والتقدم، بين الجهل والعلم، بين الهزيمة والنصر، بين الفناء والبقاء! وتمت سرقة الفن العربي وأساليب الحياة العربية وعزوها إلى اليهود، وأصبح «الأرابيسك» يهودياً، والموسيقى العربية يهودية.. مع أن اليهود عاشوا في الطراز المعماري العربي، كما يتضح من المعبد اليهودي الذي كان يدرس فيه موسى بن ميمون في قرطبة. وظهر الاستشراق في صيغة جديدة، عبر ترجمة الأدب العربي الحديث والفكر العربي الحديث، ودراسة التراث الإسلامي، وإصدار المجلات الثقافية المتخصصة للرواية والشعر والنقد، ونشر النصوص القديمة، وإعادة فهرسة المعاجم العربية القديمة، ونشرها تسهيلا للباحثين الإسرائيليين وكبديل عن جهد العلماء والناشرين العرب. كما سيطرت الصهيونية على كثير من مراكز بحوث الشرق الأوسط في الغرب، وروجت لبعض الموضوعات لتشويه الثقافة العربية، مثل الجنس واللون في الإسلام، والرق في الإسلام، وصلة الإسلام بأفريقيا.. حتى لا يُقال عن الصهيونية وحدها إنها حركة عنصرية وبالتالي يتم التشريع للتعاون بين إسرائيل وجنوب أفريقيا. وركز الغزو الصهيوني محاولاته على العقل العربي الحديث، حتى يمكنه القضاء على المناعة العربية، ثم من خلال الوطن العربي ينطلق إلى أفريقيا وآسيا، وإلى العالم الثالث كله بعد أن كان العالم العربي قلب تحرره ومركز قيادته. والصهيونية، كما تدعي، نموذج للتحديث: زراعة الصحراء، إنشاء المدن الجديدة، التصنيع، الأخذ بأساليب العلم، والأبحاث النووية. إذاً يمكن صياغة مشروع واحد بين القوميتين، اليهودية والعربية، يجمع العبقرية اليهودية والمال العربي! وذلك يتطلب السلام مع الجيران، وإنهاء حالة الحرب، وقبول الجسم الغريب، والتكفير عن «الذنوب السابقة». كما يتطلب الزيارات المتبادلة، وإنشاء مراكز أبحاث إسرائيلية داخل الوطن العربي لإبعاد الطلاب العرب عن مراكز أبحاثهم الوطنية، وامتصاص قدراته في جمع مادة عن التكوين الشعبي ومزاج الأمة وتراثها، حتى تسهل قيادتها والسيطرة عليها. وما أكثر التسهيلات التي تقدمها إسرائيل لذلك، مثل المنح الدراسية، وتبادل المعلومات، والأساتذة الزائرين، والقيام بمشاريع البحث المشتركة، مباشرة أو عبر مراكز البحوث الأميركية بالمنطقة.. والهدف هو تحويل المنطقة إلى دويلات طائفية صغيرة متناحرة، وبالتالي إعطاء الشرعية لوجود إسرائيل في مواجهة أي مشروع آخر، مثل مشروع تكوين دولة علمانية يتعايش فيها اليهود والمسلمون والمسيحيون. وليس خافياً أن بعض الأقلام العربية تمهد لهذا الغزو، عبر الترويج لمجمّع للأديان في سيناء فوق جبل الطور، يجتمع فيه اليهود والمسيحيون والمسلمون، للصلاة من أجل السلام! فاليهود أبناء عمنا وليسوا غرباء عنا، ما بيننا وبينهم مجرد حاجز نفسي، وليس صراعاً قومياً على أرض وطن وقضية شعب! ويترتب على ذلك ضرورة تغيير كثير من نصوص التراث الإسلامي، التي يمكن أن تُستمد عناصر المقاومة منها، لاسيما الصور والسور الواردة في القرآن الكريم، وهو مصدر هذا التراث ومنبعه الأول، والتي تتحدث عن بني إسرائيل، وموقفهم من الحق ومن العلاقة مع الآخر وما فعلوه بالأنبياء وكيف تصرفوا مع النعم التي أنعم الله عليهم بها. الثقافة الوطنية خير ركيزة للصمود أمام أي غزو. وإنها لمسؤولية كل المثقفين العرب المستنيرين؛ حماية وجدان الأمة وثقافتها بهذا الدرع الواقي وأمام هذا الغزو.