بات «الاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية» أحد أهم الشروط الإملائية الإسرائيلية، خاصة مع مصادقة حكومة نتنياهو على مشروع قانون يعرّف إسرائيل، باعتبارها دولة «الشعب اليهودي» فقط، ويحوّل فلسطينيي 48 رسمياً إلى مواطنين من الدرجة الثانية. ومن الملاحظ تكاثر تصريحات السياسة الإسرائيليين في هذا الشأن بزعم أنه الضامن الأكبر لأمن «دولة إسرائيل». ونجد هذا الشرط موضع نقاش بين المؤيدين والمعارضين للنشاط الاستيطاني. فالمعارضون يعمدون إلى إشهار سلاح «يهودية الدولة» في وجه خصومهم تحت ذريعة أن الاستيطان من شأنه نسف «عملية السلام»، الأمر الذي يستتبع سقوط «حل الدولتين»، وتمهيد الطريق أمام الحل الآخر المنذر بقيام دولة ثنائية القومية، وما ينطوي عليه من مخاطر على «يهودية الدولة». وثمة مواقف لشخصيات سياسية وفكرية، ولقوى سياسية تنتمي للوسط وحتى ليمين الوسط، تعتبر أن الاعتراف بيهودية الدولة لا لزوم له، وأن الهدف الحقيقي منه هو «التعجيز» على درب إفشال أي مساعٍ للسلام مع الفلسطينيين. فمثلاً، اعتبر الرئيس الإسرائيلي السابق (شيمون بيريز) أن إصرار نتنياهو على الاعتراف بإسرائيل «دولة يهودية» هو أمر «غير ضروري»، وقد يؤدي إلى إفشال المفاوضات مع الفلسطينيين. أما وزير المالية (يائير لبيد)، فأكد أن مطالبة الفلسطينيين بـ«الاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية، لا لزوم لها إطلاقاً». وبصفته زعيماً لحزب «يوجد مستقبل» وشريكاً في الائتلاف الحكومي أضاف: «نتنياهو مخطئ بمطالبته الفلسطينيين الاعتراف بيهودية الدولة كشرط مسبق للاتفاق، فإسرائيل ليست بحاجة لاعتراف فلسطيني لكي تكون دولة يهودية». أما التصريحات الكاشفة، فوردت على لسان رئيس «الموساد» السابق (مائير داغان)، حيث وصف ذلك المطلب بأنه هراء وحماقة، وقال: «إذا اطلعنا على قرار الأمم المتحدة المتعلق بإقامة دولة فلسطينية، فسنجد أنه ينص بوضوح على أن إسرائيل ستقوم كدولة يهودية». وتساءل: «لماذا نحن نريد اعترافاً بهذا من الفلسطينيين الآن؟ وهل نريد اعترافاً من دولة فلسطينية أصلاً هي ليست قائمة؟». وختم داغان بالقول، إنه «يتوجب على إسرائيل، بدل الإصرار على هذا الاعتراف، الإصرار على أن لا يكون هناك حق عودة للاجئين الفلسطينيين. فموضوع اللاجئين هو الخطر الحقيقي على الدولة اليهودية». غير أن الموقف والتحليل الأوضح كان من نصيب «هيلل كوهين». ففي مقال بعنوان «الاعتراف بيهودية الدولة هو اعتراف بالهزيمة التاريخية»، كتب كوهين يقول: «في اتفاقات أوسلو، اعترفت القيادة الفلسطينية بدولة إسرائيل. لكن من ناحية الفلسطينيين لم يكن ذلك اعترافاً بحق اليهود في إقامة سيادة على قسم من بلادهم، بل اعتراف بواقع سياسي توجد فيه الدولة. والإعلان عن الاعتراف بدولة يهودية، المطالب به منهم الآن، معناه الاعتراف بأن لليهود حق في السيادة على البلاد، اعتراف بحق المسيرة التي حولت العرب من أغلبية إلى أقلية، مع منح مصادقة على المسيرة التي حولت أغلبية الفلسطينيين الذين عاشوا في أراضي دولة إسرائيل إلى لاجئين، وتأكيد مكانة الفلسطينيين من مواطني إسرائيل كأجانب في بلادهم. إعطاء مثل هذا الاعتراف (فلسطينياً) هو اعتراف بهزيمة تاريخية (من قبلهم) وقبول الحكم بالظلم الذين هم ضحيته». القصد من مطلب إسرائيل الاعتراف بـ«يهودية الدولة» هو التهرب من استحقاقات التسوية السياسية، ناهيك عن إطاحة حق العودة للاجئين الفلسطينيين الذي تكفله الشرعية الدولة، وإزالة الاحتلال الإسرائيلي بشكليه العسكري والاستيطاني من الأرض الفلسطينية المحتلة في عام 1967، بما في ذلك القدس الشرقية، لكي يكون بالإمكان إقامة دولة فلسطين. فضلاً عن ذلك، الاعتراف الفلسطيني بـ«يهودية إسرائيل» هو فتح المجال أمام إعادة تهجير لفلسطينيي 1948، ونزع الشرعية عن مواطنة مليون ونصف المليون منهم. ومن الثابت أن مصطلح «الدولة اليهودية» لن يتعامل مع اليهودية كدين، وإنما مع الدولة القومية والثقافة اليهودية، بما أنها تشكل موطناً لليهود في العالم أجمع، على حساب أصحاب الأرض الشرعيين من العرب الفلسطينيين. لذا، لا يمكن، فلسطينياً، قبول الدعوات التي تصل حد مطالبة الفلسطينيين بالتخلي عن حقوقهم ومعتقداتهم التاريخية لصالح معتقدات أو أساطير صهيونية تلمودية! ولنعترف: لقد تفاقمت الشهية الصهيونية بعد أن تجاوز الإسرائيليون مسألة الاعتراف الفلسطيني والعربي بوجود «إسرائيل» بل وأيضاً بحقها في الوجود! فهل نشحذ شهيتنا العربية (والفلسطينية) من جديد ونستعيد ما أهدرناه من حقوق في ظل «مسيرة السلام» العبثية؟