حين سمعت برجم امرأة في سوريا على يد تنظيم «داعش» الإرهابي، تذكرت طائفة من الآيات. القرآنية الكريمة، فالله سبحانه وتعالى يغفر للفتيات من عالم البغاء «إن أردن تحصناً»، لكن لا غفران ولا رحمة للقوادين والجلادين وحملة السيف والحجارة والساطور..بغير حق وخارج إطار القانون. لقد تهاوت الحجارة على الجبين اللطيف لتلك المرأة المسكينة، فهوت إلى الأرض بأنات ضعيفة، تشتكي إلى الله الذي كتب على نفسه الرحمة الأبدية..ألا ليرحمك الله أيتها الشهيدة المجهولة، قسماً لئن وطئت بقدمي أرض الحرية من سوريا لأجعلن من مكان موتك حناناً. لقد تذكرت سورة التكوير، باستنفار كوني من الشمس والنجوم والعشار والبحار والجبال والوحوش: «إذا الشمس كورت، وإذا النجوم انكدرت، وإذا الجبال سيرت، وإذا العشار عطلت، وإذا الوحوش حشرت، وإذا البحار سجرت، وإذا النفوس زوجت، وإذا الموؤودة سئلت بأي ذنب قتلت». مشاهدٌ مشتركة من شمس تعلن توقفها عن بث النور، ونجوم تعكر مزاجها، وسماء تكشط، وجحيم تسعر، ونظام كوني يدخل لحظة الاضطراب فيتعطل، ووحوش تأتي للشهادة على وحوش البشر، في مناظر الظلم واحتقار المرأة، وتقف المحكمة الكونية لتعلن ماهو الذنب الذي ارتكبته هذه المخلوقة حتى تدفن بوابل الحجارة! لقد بدت ليس السيدة التي كانت تقاد للإعدام، كما لو كانت أكثر القوم اتزاناً ورحمة وقرباً من الله جل وتعالى. تذكرت حديث المرأة البغي من بني إسرائيل، والتي قدمت الماء لكلب ليغفر الله لها فتدخل الجنة بشربة ماء تطفئ به عطش حيوان بهيم، أين هؤلاء القوم من كل هذا التراث، وما فيه من معاني الرحمة واللطف والرفق؟ ألا إن هؤلاء قوم انتزعت الرحمة من قلوبهم فتحولوا وحوشاً في صورة آدميين. استعرضت الشريط والحجارة الثقيلة تهوي على الجسم اللطيف الناعم، صانع الحياة، ومربي الأطفال، وناقل الثقافة.. فقلت أي دين وأي فكر تحمله هذه الكائنات؟ إنه عصر التيه والظلمات السياسي في التاريخ العربي الحديث. أتذكر جيداً من ذكريات شبابي حين عكفت على كتاب تفسير سورة النور لأبي الأعلى المودودي، وكيف حاول إيصال حد الرجم إلى حافة المستحيل، في حادثة المغيرة بن شعبة وأم جميل، وكيف انتهى عمر رضي الله عنه بعد التحقيق في الواقعة، والتي اتهم فيها حاكم الكوفة بالزنا، أن اكتشف اختلاف شهادة الرابع منهم عن البقية، فجلد الأربعة 320 جلدة، موزعة بثمانين جلدة لكل قاذف. المجتمع الإسلامي، حسب فهمي لروح القرآن، لا مكان فيه للتجسس على الناس، بأنظمة أمنية لانهاية لتشعباتها وشعبها، ولا مكان فيه لكثرة السؤال والتحقيقات، ولا مكان فيه للغيبة والنميمة..لا مكان فيه للسخرية وانتقاص الآخرين. بكلمة جامعة الإنسان في هذا المجتمع محترم مصان الكرامة والاعتبار والحرية. ولعل ساخر أو ساخرة يسخر ممن هو خير منه! فبأي ذنب قتلت تلك المسكينة رجماً؟