قسمت الصحيفة البحرينية إحدى صفحاتها الداخلية بين رجلَي دين، واحدٌ في جامع الإمام الصادق في بلدة الدراز يدافع عن مقاطعة الانتخابات قائلاً: إن الناس «ينتظرون الحل الحقيقي ليشاركوا فيه زحفاً». والآخر في جامع مركز أحمد الفاتح الإسلامي في المنامة يقول إن المشاركة في الانتخابات «واجب شرعي» و«المواطن الغيور يتفاعل معها ولا يقاطعها». الأول يدعو الى استمرار التأزيم، مؤكداً أن له مصلحة فيه، ومراهناً على الوقت وعلى متغيّر خارجي إقليمي ينعكس على الداخل وينهي الأزمة على النحو الذي يناسبه، لذا يخشى الانتخابات كونها عنواناً لسلم أهلي لم يعترف به بعد. والآخر يرى في الذهاب إلى صناديق الاقتراع أملاً في إخراج البلاد من عنق الزجاجة، وكذلك دعوةً إلى الآخر في الوطن للتحاور والتعاون ولقصر رهاناته على وطنه وأهله ومجتمعه. كانت انتخابات السبت الماضي تحدّياً كسبته البحرين، ولم يعتبرها أحد نهاية المطاف. كان لا بدّ من إجرائها في موعدها الدستوري، لمصلحة استمرار الدولة وعدم تعطيلها، ولمصلحة المشاركين فيها والمقاطعين على السواء. ذاك أن الخيار الآخر هو إدخال المؤسسات في دوامة، ومن الواضح أنه مجرد إضاعة لفرصة داخلية. ولعل أبلغ دليل على أن المقاطعين أشاعوا جواً من التضييق على الناخبين أن معظم هؤلاء أعرضوا عن الإدلاء بأصواتهم في دوائرهم المسجّلين فيها، وفضلوا الذهاب الى «اللجان العامة» (حيث يمكن التصويت بمعزل عن مكان الإقامة). وعلى صعيد المظاهر التي ترافق أي استحقاق انتخابي في أي دولة، كانت المفارقة لافتة ومؤسفة بين لجوء المقاطعين إلى إقفال مناطقهم وبين معظم أنحاء البلد الذي كان طبيعياً، مفتوحاً وناشطاً. وفي جامعة البحرين تحوّل الإقبال الشبابي على التصويت إلى جو احتفالي شارك الملك حمد بن عيسى آل خليفة في جانب منه. بديهي أن الانتخابات لا تنهي الأزمة في البحرين، ولا تشكّل بديلاً عن الحوار الوطني المطلوب للتوصل إلى حلول، غير أن المعارضة لم تقاطع الاقتراع فحسب، بل كانت أحبطت كل حوار قبل أن تقاطعه أيضاً. وعشية الانتخابات كانت تصريحات الوزيرة سميرة رجب، المتحدثة باسم الحكومة، واضحة في أن «باب الحوار لن يقفل إلى أن نتوصّل إلى توافقات». وقالت إنه «كانت هناك جهود متواصلة من دون انقطاع للوصول إلى توافقات سياسية، وعملت كل الأطراف على أن تكون جمعية الوفاق جزءاً من هذه العملية السياسية». في المقابل استخدم علي السلمان، الأمين العام لـ «جمعية الوفاق»، أكبر أطراف المعارضة، لغة ملتبسة كما في قوله إن استراتيجية المعارضة تقوم على «التواصل مع كل الأطراف من أجل التوصل إلى حل توافقي»، أو في قوله «نحن ننفتح بآفاقنا على السلطة وبقية قوى المجتمع التي لا نتفق معها بالرأي من أجل إيجاد هذا التوافق». لكنه ينسف هذه الروح «التوافقية»، حين يقرر أن البرلمان الجديد «سيمثّل الحكم لا الإرادة الشعبية»، ولا معنى لذلك سوى أنه لا يقيم وزناً لشركائه في الوطن، وكأنهم ليسوا مثله يريدون أيضاً إصلاحات سياسية أو كأنهم مسلوبو الإرادة والوطنية لمجرد أنهم لا يريدون تخريب البلد من أجل أن «يصلحوه». لا جدوى من «حرب الأرقام»، بين30 في المئة توقعتها المعارضة للمشاركة في التصويت وبين 16 في المئة كحجم للمقاطعة مستمد من مقارنة 51 في المئة شاركوا في التصويت هذه السنة وبين 67 في المئة كأوسع مشاركة سابقة في اقتراع عام 2010. لا جدوى من جدل كهذا لأن كل تجارب المقاطعة المعروفة كانت خاسرة. فالمقاطعون في البحرين لم يحققوا أي كسب، بل لعلهم خسروا التعاطف الغربي معهم، وهو كان على أي حال تعاطفاً مريباً لم يستطع أحد أن يتلمس فيه أي حرص على استقرار البحرين. وقد أظهرت التحوّلات في بلدان عربية عدة أن زعزعة الاستقرار لم تساعد أبداً في إبقاء المؤسسات ولا في بناء ديموقراطيات. الانتخابات والبرلمان الجديد يمكن أن يشكّلا في البحرين بداية لتجربة فارقة في الاتجاه الإصلاحي المطلوب، بدءاً من طريقة تشكيل الحكومة الجديدة وكيفية اختيار الوزراء. صحيح أن المعارضة لن تعترف بأي شيء لا تشارك فيه، وبشروطها، ولا تزال متمسّكة بمطالب جذرية لا إجماع وطني عليها، إلا أن ممارسة الاصلاحات من شأنها أن تؤسس لمسار واقعي بعيد عن صراع الإرادات الذي ينبغي أن ينتصر فيه منطق الدولة وليس منطق تخريبها.