لعل نتائج الانتخابات الرئاسية في رومانيا قد أكدت على ضرورة إجراء تغييرات عميقة، و«ذلك إشارةً لي وللطبقة السياسية حول الحاجة لبدء العمل الآن»، كما قال المرشح الفائز بالانتخابات كلاوس يوهانيس، والذي شدّد يوم الاثنين الماضي، عقب إعلان النتائج الرسمية، على مواصلة التعاون الاستراتيجي مع الولايات المتحدة، والحفاظ على دور رومانيا في الاتحاد الأوروبي وحلف «الناتو». وكلاوس فيرنر يوهانيس، سياسي روماني، وزعيم «حزب الوطنيين الأحرار»، وعمدة بلدية سيبيو، والرئيس المنتخب لرومانيا. وهو من مواليد عام 1959 في مدينة سيبيو، المركز الاقتصادي والثقافي البارز، وعاصمة محافظة سيبيو الواقعة بوسط رومانيا والمحاطة بجبال فاغاراش والكارابات. وينحدر والدا كلاوس (سوزان وغوستاف هاينز يوهانيس) من أقلية «الساكسون ترانسلفانيا» الألمانية، وقد هاجرا مع شقيقته الوحيدة إلى ألمانيا عام 1992 ليستقرا في فورتسبورغ وينالا الجنسية الألمانية بموجب «حق العودة» للألمان، كشأن كثير من «الساكسون ترانسلفانيا» الذين غادروا رومانيا إلى ألمانيا منذ أوائل التسعينيات، بينما اختار كلاوس وزوجته (الرومانية عرقياً) البقاء في رومانيا. وقد ذكر كلاوس مؤخراً أن عائلته تعيش منذ القرن السادس عشر في سيبيو، المدينة التي بناها الألمان في القرن الثاني عشر، وظلت لقرون عديدة عاصمة ثقافية لـ«الساكسون ترانسلفانيا» الذين شكلوا غالبية سكانها حتى منتصف القرن العشرين، لكن الكثير منهم غادروها بعد الحرب العالمية الثانية، ثم عقب سقوط الستار الحديدي عام 1990. وفي سيبيو أنهى يوهانيس دراسته الجامعية في الفيزياء، في جامعة «بابيس بولياي» الحكومية، عام 1983. ثم حصل على شهادة الدكتوراه، وعمل مدرساً في بعض المدارس الثانوية والكليات وكمفتش عام للتعليم. ويعد يوهانيس أحد قادة «الساكسون ترانسلفانيا»، وهو عضو في «المنتدى الديمقراطي الألماني في رومانيا» (FGDR) منذ عام 1990، وعضو في مجلس إدارة التربية والتعليم لمجتمع «الساكسون ترانسلفانيا» منذ 1997، كما ترأس المنتدى الديمقراطي الألماني بين عامي 2002 و2013. لكن قبل ذلك تم انتخاب يوهانيس عمدة لسيبيو في عام 2000، بنسبة 69.18? من الأصوات، ليصبح أول عمدة من أصل ألماني لبلدية سيبيو منذ عام 1945.. وكان فوزه مفاجئاً بالنظر إلى أن الأقلية الألمانية لا تتجاوز نسبتها إلى مجموع سكان المدينة 1?6 في المئة. ثم تمت إعادة انتخابه ثلاث مرات في أعوام 2004 و2008 و2012. ويعود الفضل في ذلك إلى جهوده لتوسيع وتطوير البنى التحتية والخدمية للمدينة، وتكريسها كمركز ثقافي وتاريخي واقتصادي في رومانيا. فقد أصبحت إحدى أكثر الوجهات السياحية رواجاً في البلاد، عقب أعمال التجديد وإعادة الترميم التي أجراها يوهانيس على المواقع التاريخية والأثرية فيها، كما تم اختيارها عاصمة للثقافة الأوروبية عام 2008، إلى جانب لوكسمبورغ. وخلال الجزء الأكبر من مسيرته في العمل العام، لم ينتم يوهانيس إلى أي حزب سياسي، لكن أربعاً من المجموعات السياسية الخمس في البرلمان، باستثناء «الحزب الليبرالي الديمقراطي»، اعتبرته «شخصية وطنية بمواقفها وإنجازاتها» ورشحته لرئاسة الحكومة في أكتوبر 2009، عقب الإطاحة برئيس الوزراء اميل بوك (من الحزب الديمقراطي الليبرالي) في البرلمان. بيد أن ترشيح يوهانيس وُوجه باعتراض من الرئيس ترايان باسيسكو، رغم اعتماد البرلمان دعم ترشيحه. وكان على الوسط السياسي الروماني أن ينتظر حتى فبراير 2013 كي يتلقى نبأ انضمام يوهانيس إلى «حزب الوطنيين الأحرار»، والذي اختاره على الفور نائباً أول لرئيسه «كرين أنطونيسكو». لكن هذا الأخير سرعان ما استقال (في نهاية مايو) من رئاسة الحزب، لينتخب يوهانيس رئيساً له في 28 يونيو 2014. وعقب التحالف بين حزبه وحزبين آخرين من يمين الوسط، «الحزب الديمقراطي الليبرالي» و«القوة المدنية»، أصبح يوهانيس مرشح التحالف الجديد للانتخابات الرئاسية عام 2014، فاحتل المرتبة الثانية في جولتها الأولى، يوم 2 نوفمبر الجاري، بنسبة 30.4? من الأصوات، بعد رئيس الوزراء فيكتور بونتا الذي تصدّر السباق بنسبة 40.3?. لكن يوهانيس تجاوزه في جولة الإعادة، المنظمة في 16 من الجاري، وحصل على نسبة 54.5? من الأصوات منحته كرسي الرئاسة. وكما كان فوز يوهانيس ببلدية سيبيو مفاجئاً عام 2000، فقد جاء فوزه بكرسي الرئاسة عام 2014 مفاجئاً كذلك، لاسيما أنه ينحدر من أقلية عرقية صغيرة للغاية، وأنه ظل إلى وقت قريب خارج الحياة الحزبية السياسية الرومانية. بيد أن فوزه مفهوم بالنظر إلى النضج الذي أظهرته التجربة السياسية في رومانيا منذ نهاية الاستبداد الشيوعي وسقوط نظام تشاوسيسكو.. التجربة التي ارتقت بالبلاد نحو أفق ديمقراطي، كشأن كثير من تجارب أوروبا الشرقية الأخرى. وقد تعززت التجربة الرومانية على المستوى المؤسسي الخارجي، بانضمام بوخارست إلى كل من «الناتو» والاتحاد الأوروبي، واللذين أشار إليهما يوهانيس إشارة دالة في أول ظهور علني له بعد إعلان فوزه كخامس رئيس لرومانيا الديمقراطية، ما بعد الشيوعية. محمد ولد المنى