القابض على المبدأ والثوابت كالقابض على الجمر، وهو المعتز بلغته والقادر على أن يرى الحق حقاً من دون تفسير ومن دون تفصيل ومن دون تصنيف. فالإنسان هو الإنسان وإنْ تشعبت قضاياه وتعددت وتجذرت، فكلها تقول إن الانسان شيء واحد. لايمكن بأي حال أن يتشتت أو يؤمن بما هو مضاد لقيمته كإنسان. فلا السلطة أو القوة، أو الخوف أمور دائمة، والعمر الافتراضي يتنحى جانباً عندما يكون للمبادئ والثوابت الأخلاقية حضور، وذلك بدلاً من أن يتم الاهتمام بمعطيات إنسانية لا ترى في الإنسان سوى طائفته أو هواه أو سلطته. فقد ترى انسانيته فقط وكونه بشراً لا يحتمل التأويل. فالناس في هذه الثقة أو هذه الصحوة، أو ما بينهما، تتحلى بالثبات، وعلى هذا النحو ينبغي على المرء أن تكون لديه القدرة على الصدع بالحق حتى لو بينه وبين نفسه. فلا أخطر من مداهنة الباطل والآخر كونه ينتمي مروجوه لذات اللغة أو اللون. هذه المداهنة لا تعني أن نفرط في انسانيتنا، ولا تعني أبداً أن نكون أصحاب الرأيين حين يأتي الأمر للقياس الصحيح، حتى نستعد له بأسلحة المواجهة أو الهرب وليس الحوار. فالتصنيف أوقع الكثيرين في فخ الاعتذار للإنسانية، وهمهم كله هو كيف يتخلصون من أصحاب هوى لا يشاركونهم هواهم! ليس من التحضر أو الانسانية الجميلة- المتسعة لكل أصناف البشر- أن ندرج الآخرين في سلسلة مع أو ضد، ونتهم شعوباً بأكملها بالكفر لأنها تمارس طقوساً لا تتفق مع معتقداتنا، لأن الهوى هو الحاكم في هذه الحالة، وهو المسير كأنه ريح تجر القارب أينما توجهت، وهل من يقين بريح تأتي مسالمة وادعة يوماً وغيرها تكون صرصراً عاتية؟! لاشيء يستمر إلا المبادئ، حتى وإنْ كان ثمن الحفاظ عليها باهظاً ومكلفاً، لكنها تعني للإنسان فرصة احترامه لذاته وتقديره لتاريخه بعد أن يوصل به العمر بأن يرى أصحاب القوارب السيارة باتجاه الريح غرقوا وتشتت مقولاتهم، وتحولوا إلى مجرد عابري مكان لم يأتْ التاريخ بذكرهم رغم كل ما مارسوه من الاستعراض، وما قدموه من تنازلات بهوى ومنفعة. فالتاريخ لا يمر على ذكرى حارقي البخور يوماً ما. والتاريخ لم يذكر إلا أصحاب المبادئ، ولم يقل شيئاً عن الذين كانت المنفعة شعاراً لهم .. وحتى النجاح كان دوماً لأصحاب الهمة العالية وليس لأصحاب الهوى الباحثين عن المادة أينما كانت. بين المبدأ والهوى حبال معلقة في الهواء بعيدة شاقة وصعبة، صاحب المبدأ لا يرى إلا أن عليه الوقوف ثقةً، وصاحب الهوى يتأرجح إلى أن يأتي يوم سقوطه، من دون صدى أو ارتطام، ولا حتى أثر لدخان بعيد. كاتبة إماراتية