كان حلول الذكرى الخامسة والعشرين لسقوط حائط برلين مناسبة ذكّرتنا بقائد حرس الحدود الألماني الشرقي المقدم «هارالد جاجير» الذي أعطى الأوامر بفتح البوابات التي تفصل بين شطري المدينة. وتناول كتاب جديد وفيلم سينمائي ناطقين باللغة الألمانية هذه الحادثة القَدَرية. ويبدو لي أن لهذه القصة عظاتها فيما يتعلق بالحوار الدائر الآن في أميركا حول الهجرة وحقوق المواطنة. وفي مساء 9 نوفمبر 1989، وبتحريض جاء عن طريق الخطأ من الناطق باسم اللجنة المركزية للحزب الشيوعي في ألمانيا الشرقية، اندفعت أمواج بشرية من ألوف البرلينيين الشرقيين نحو دشمة الحراسة التي يشرف عليها «جاجير». وسرعان ما جاءته أوامر واضحة بالإبقاء على الحدود مغلقة، ولكنه سمح لعدد قليل من الناس المتجمهرين بعبور البوابة إلى برلين الغربية عندما اقتنع بالضرورات الملحة لذلك وبعد طبع تأشيرة الخروج على جوازات سفرهم. وعندما عاد زوجان من الشطر الغربي، وهما في طريقهما إلى بيتهما في الشطر الشرقي للقاء أطفالهما، لاحظ «جاجير» بأن من حق الزوجة الدخول بحسب الإجراءات النافذة، إلا أن الختم المطبوع على جواز سفر زوجها يحظر عليه العودة مع زوجته. وهكذا وجد «جاجير» نفسه أمام خيار صعب. وفي معرض شرحه لما حدث بعد ذلك، قال «جاجير»: «كانت مسؤوليتي واضحة. فلقد كان القانون يفرض عليّ أن أفرّق بين الزوجين. إلا أنه اتضح لي تماماً ما يعتري هذا القانون من عوامل الغباء والبعد عن المشاعر الإنسانية. وقلت لنفسي بعد لحظات من التفكير: الآن.. سأفعل ما يحتّم عليّ ضميري فعله». وسمح للزوجين بالعبور. وما لبث أن شعر بجرعة أقوى من الشعور الإنساني تدبّ في أوصاله، فوجّه أوامره إلى الحراس بفتح كل البوابات دفعة واحدة. وأما ما تبقى من هذه القصة فهو شيء يتعلق بالتاريخ وأصبح الدرس الذي يمكن استقاؤه منها مفيداً بالنسبة لأميركا ويرتبط بالعلاقة غير المفهومة على النحو الجيد بين المشاعر الإنسانية والقانون. وركزت الغالبية العظمى من ألوف المقالات التي تناولت اعتزام أوباما تسوية أوضاع بضع مئات من المهاجرين غير الشرعيين وإنقاذهم من مخاطر الطرد القسري، على الموضوع من وجهة نظر سياسية بحتة وأغفلت النظر تماماً إلى الجوانب الإنسانية. والشيء المهم الذي فشلت الصحافة في الإشارة إليه هو أن أوامر أوباما يجب أن ينظر إليها باعتبارها مبادرة للمّ شمل الأسر مع أطفالها. وتخطط الإدارة الأميركية للسماح للآباء من المهاجرين غير الشرعيين الإبقاء على أبنائهم الذين ولدوا في الولايات المتحدة وأصبحوا بالتالي مواطنين أميركيين ومنحهم تراخيص العمل. ولسوء الحظ، فإن هذا القرار لا يشمل الآباء الذين يتمتعون بالحصانة القانونية ضد أوامر الترحيل. ومنذ نحو 18 شهراً، طرح 68 نائباً من الحزبين الرئيسيين مشروع قانون يحظى بموافقة الرئيس أوباما يهدف لتدعيم قوات حرس الحدود ويقترح طريقة معقدة لشرعنة وضعيات 11 مليون ملف لمهاجرين غير شرعيين. ورفض مجلس الشيوخ الذي يسيطر عليه الجمهوريون مشروع القرار على الرغم من أن التوقعات كانت ترجح الموافقة عليه. أوباما أخذ في الحسبان المخاطر السياسية التي قد تنجم عن العمل بمفرده. وهو يعتقد أن الرئيس يمتلك سلطة مباشرة على المسؤولين عن دائرة الهجرة لاستثناء بعض الحالات الخاصة من الطرد والترحيل. ولكن هذه الإجراءات أبعادها الإنسانية البحتة غير الملزمة. ولا شك أن فصل الأطفال عن آبائهم يعد تجاوزاً لأبسط الحقوق الإنسانية. ولقد حان الوقت للتوقف عن هذا العل الغبي البعيد كل البعد عن المفاهيم الإنسانية. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»