في أول زيارة لي للمكسيك، بعد مرور أكثر من شهر على اختفاء وربما مقتل 43 طالباً بوساطة عصابات المخدرات بالتآمر مع السلطات المحلية في ولاية «جيرجيرو»، شعرت وكأنني في دولة مختلفة. فقبل بضعة أشهر، تسلم الرئيس «إنريكي بينا نييتو» جائزة «رجل الدولة لهذه العام» في نيويورك، كما تم الإعلان عن إصلاحات تقوم بها حكومته الجريئة في قطاعات الطاقة والتعليم، باعتبارها بداية «اللحظة المكسيكية» التي ستضع هذه الدولة على المسار السريع للعالم الأول. ولكن الآن، بينما يواصل اقتصاد المكسيك أداءه الأفضل بكثير من اقتصاد فنزويلا أو الأرجنتين أو البرازيل، إلا أن المكسيكيين قد أصبحوا فجأة ساخطين بسبب العنف السائد في البلاد، وكذلك سلسلة من الفضائح الجديدة التي يُنظر إليها على نطاق واسع كبوادر لفساد سياسي هائل. وأياً من كان من تتحدث إليه، غنياً أو فقيراً، يوافق على أن أحداث القتل التي وقعت يومي 26 و27 سبتمبر في بلدة «إجوالا» - وكذلك الفضائح الجديدة التي تنطوي على الفساد الحكومي المحتمل الذي يشوب عرض لإقامة قطار فائق السرعة بتكلفة 3.7 مليار دولار، والذي تم منحه لتحالف صيني، إلى جانب محاولة السيدة الأولى «أنجيليكا ريفيرو» لشراء قصر بتكلفة 7 مليون دولار - قد أدت إلى نشوب أسوأ أزمة سياسية للرئيس «بينا نييتو» منذ توليه السلطة منذ عامين. وقد كان هناك دائماً سخط شعبي حول جرائم العنف المرتبطة بالمخدرات في المكسيك، والتي أدت، وفقاً لبيانات رسمية، إلى 22 ألف حالة وفاة منذ 2006، لكن اختفاء 43 طالبا في «إجوالا»، والذين تعتقد الحكومة الآن أنهم قد قُتلوا على يد تجار المخدرات المرتبطين بعمدة البلدة، قد أدى إلى موجة غضب عامة أكبر بكثير من تلك التي نتجت عن الآلاف من حالات القتل في السنوات الأخيرة. ويرجع جزء من هذا الغضب إلى أن الذين اختفوا هذه المرة لم يكونوا ضحايا لتبادل إطلاق النار بين عصابات المخدرات المتنافسة، لكنهم كانوا من الطلبة المحتجين الذين سافروا إلى «إجوالا» لسرقة حافلات لاستخدامها أثناء المظاهرات، إنها ليست قضية قد يزعم سياسيون محليون أنها خارج سيطرتهم. ويبدو أن الطلاب الراديكاليين كانوا يعدون لإفساد احتفال عام كان من المقرر أن ترأسه زوجة العمدة، وطالما كانت سلطات إنفاذ القانون الفيدرالي تعلم عن علاقات عمدة البلدة مع أباطرة المخدرات، وفقاً لتقارير صحفية. وعلى الرغم من أن كلاً من عمدة «إجوالا» وحاكم ولاية «جيرجيرو» ينتميان إلى حزب «الثورة الديمقراطي» اليساري، إلا أن هناك غضباً متزايداً ضد حكومة «بينا نييتو» لعدم القيام بأية إجراءات ضد قيادة البلدة الفاسدة. ومنذ اختفاء 43 طالباً، نزل المتظاهرون إلى شوارع «جيرجيرو»، وأغلقوا مطار «أكابولكو» والطرق المجاورة، وحطموا المكاتب المحلية لأكبر ثلاثة أحزاب سياسية في المكسيك. وفي مكسيكو سيتي، هاجم محتجون ملثمون القصر الوطني، ودمروا أحد الأبواب التاريخية، وكذلك عدداً من محطات الحافلات والمترو، ولا يكاد يمر يوم بلا مسيرات أو أحداث عنف. وفي رأيي، أن المكسيك تواجه أزمة سياسية خطيرة، في الوقت الذي تهدد فيه أسعار النفط المنخفضة بالحد من الكم الهائل من الاستثمارات في صناعة النفط، والتي من المتوقع أن تصب في هذه الدولة خلال السنوات المقبلة نتيجة لإصلاح قطاع الطاقة، وإذا لم يتم التعامل معه بشكل صحيح، فإن السخط الشعبي قد يؤدي لمزيد من الاضطرابات والإضرار بالاقتصاد. لقد كانت إصلاحات «نييتو» في قطاعات التعليم والطاقة ضرورية وجيدة، لكنها بنيت على أرض مهتزة، لذلك فلن تؤدي إلى استثمارات هائلة إذا استمر الفساد. كاتب أرجنتيني متخصص في شؤون أميركا اللاتينية. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «إم.سي.تي. انترناشونال»