في كتاب «لماذا خسرنا؟» الصادر حديثاً، يقدم الجنرال الأميركي المتقاعد دانييل بولجر تقييمه الخاص لحربي أميركا في العراق وأفغانستان منذ عام 2001 إلى الانسحاب النهائي من المنطقة، شارحاً ومفككاً ما يقول إنها عوامل ساهمت في خسارة أميركا هاتين الحربين. وقد يتفاجأ القارئ حين يعلم أن بولجر يقف إلى صف البيت الأبيض بدلاً من الانحياز لزملائه العسكريين؛ حيث يشير إلى أن ضباط الجيش يعزون الإخفاقات الأميركية في العراق وأفغانستان إلى أخطاء الزعماء المدنيين في إدارة أوباما، وبدرجة أقل، إلى إدارة بوش الابن. والحال أن المسؤولية -في نظره- إنما يتحملها جنرالاتُ الجيش، وذلك لأن السبب الرئيس للإخفاق هو ثقة الجيش المفرطة التي تعزى إلى السرعة التي أُسقط بها النظامين الأفغاني والعراقي في 2001 و2003. ويرى بولجر أن الاستراتيجية التي كانت تنتهجها أميركا لمحاربة حركة التمرد في كل من العراق وأفغانستان كان مكتوباً عليها الفشل لأن الولايات المتحدة لم تكن مستعدة للبقاء هناك طويلاً. فالجنرالات دعموا جهود محاربة حركة التمرد لأنهم كانوا يفترضون على نحو خاطئ وساذج أن القيادة السياسية مستعدة للإبقاء على القوات الأميركية في العراق وأفغانستان لعقود. كتاب بولجر يضم بين دفتيه العديد من الحجج القوية والمنطقية؛ لكن حجته الرئيسية لا تبدو مقنعة تماماً. ولعل أول اعتراض بديهي على إدانته للجنرالات يكمن في حقيقة أن القيادة المدنية لأميركا، وبمقتضى صلاحيتها الدستورية، هي المسؤولة عن نجاح الجيش أو فشله في النهاية. ذلك أن القائد الأعلى للجيش هو الذي يعين الجنرالات الذين سيوجهون الجنود في المعركة، وهو الذي يحدد أين ومتى وكيف تذهب أميركا إلى الحرب، لاسيما في وقت يبدو فيه أن دور الكونجرس قد تراجع وصار يقتصر على تزكية قرارات الرئيس. بيد أن سرد بولجر الخاص للأحداث في أفغانستان والعراق، يشير إلى أن القرارات السياسية للمسؤولين المدنيين لعبت دوراً في إعاقة نجاح الجيش. فالزعماء المدنيون في إدارة بوش هم من قاموا بتفكيك الجيش العراقي واجتثاث «البعث»، قبل أن يفرضوا «انتخابات» نقلت السلطة في العراق من السنّة إلى الشيعة. وفي منتصف 2011، أعلن أوباما أن بقاء القوات الأميركية في العراق سيتطلب موافقة البرلمان العراقي، وهو شرط يرى البعض أن الرئيس الأميركي كان يعلم علم اليقين أن المالكي لن يستطيع تحقيقه. وكل ما هناك أن أوباما كان يريد الانسحاب لأنه كان يكره التزامات عسكرية طويلة الأمد، وكان يتوق ليقول للناخبين إنه «أنهى الحرب». أما بالنسبة لأفغانستان، فيقول بولجر إن المشروع الأميركي هناك كان مكتوباً عليه الفشل بسبب الإطار الزمني الذي فرضه أوباما على الوجود الأميركي هناك، وهو استنتاج يبدو أن الأحداث المتوالية ما فتئت تؤكده. فقرار أوباما في 2009 بدء الخفض التدريجي لعديد القوات في غضون 18 شهراً، يقول المؤلف، «أضعف الشيء الوحيد الذي كان يمكن أن يؤدي إلى كسر شوكة طالبان»، ألا وهو «الالتزام الأميركي طويل الأمد بنشر جنود على الأرض، وقوة جوية في السماء، وضمان الدعم لنظام كابول». محمد وقيف الكتاب: لماذا خسرنا؟ المؤلف: دانييل بولجر الناشر: إيمن دولان/هوتن ميفلن هاركورت تاريخ النشر: 2014