حملت زيارة أوباما الأخيرة إلى آسيا بعض مؤشرات التعافي من ضغوط اللغط السياسي الصاخب والتحدي المرير الذي يتعرض له البيت الأبيض، أثر النتائج السلبية للانتخابات التشريعية النصفية وانخفاض مستويات قبول أداء الرئيس في أوساط الشعب الأميركي. وكان من أبرز الإنجازات التي حققها أوباما في هذه الزيارة، الإعلان من بكين عن توقيع الاتفاقية الأميركية الصينية للحد من ظاهرة التغير المناخي، مع تعهد الولايات المتحدة والصين ببذل أقصى الجهود الممكنة لتخفيض الانبعاثات الكربونية الناتجة عن حرق الوقود الأحفوري، رغم خلافاتهما حول الأطر الزمنية لبداية تطبيق الاتفاقية. ورغم أن هذه الاتفاقية بين الدولتين الأكثر تلويثاً لجو الأرض بغاز ثاني أوكسيد الكربون، تنطوي على الكثير من الغموض فيما يتعلق بتواريخ وأدوات التنفيذ، فضلاً عن أنها لم ترتقِ من حيث تسميتها إلى مستوى «المعاهدة»، فإنه من غير الجائز التقليل من أهميتها الرمزية. وباتت هذه الاتفاقية تمثل الأمل الوحيد لإقناع بقية الدول المساهمة في نفث المواد الملوّثة في جو الأرض بتحمل مسؤولياتها، بعد أن سبقتها الولايات المتحدة والصين إلى ذلك. ودخلت الاتفاقية مرحلة التخطيط التي تستغرق بضعة أشهر، إلا أن الطريقة الحماسية للإعلان عنها في بكين انطوت على عنصر المفاجأة، خاصة لأنها أتت قبل أيام فقط على المؤتمر السنوي لقمة العشرين الذي التأم في مدينة برينسبن بأستراليا. وقد اتضح أن رئيس الوزراء الأسترالي «طوني آبوت» كان يأمل ألا يتم إدراج مشكلة التغير المناخي ضمن جدول أعمال القمة، نظراً للانتقادات الموجهة لأستراليا كواحدة من أكثر دول العالم تسبباً في إطلاق غاز ثاني أوكسيد الكربون في جو الأرض. لكن، وأمام الضجة الإعلامية التي أثارتها الصين حول الاتفاقية، والدعم الذي حظيت به من دول الاتحاد الأوروبي، لم يكن أمام آبوت إلا أن ينصاع ويعلن موافقته عليها من خلال البيان الرسمي الذي نشر حول نتائج المؤتمر. وتركزت مناقشات مؤتمر برينسبن على بندين مهمين آخرين يتعلق أولهما بالبحث عن أفضل الأساليب لإنعاش النمو الاقتصادي العالمي، وثانيهما بالتحاور حول ما يمكن عمله حيال الأزمة الأوكرانية. وفي هاتين القضيتين، ظهر أوباما بمظهر الرئيس الذي يقود العالم، وبدا وكأنه استعاد بعض هيبته المفقودة. وكان أداء الاقتصاد الأميركي خلال العام الماضي أفضل بكثير من أداء اقتصادات الدول الأوروبية واليابان والصين والهند وكوريا الجنوبية وجنوب أفريقيا والبرازيل، وهي الدول التي شهدت معدلات نمو متراجعة. وكانت بعض الدول تفتقر إلى كل مقومات الشعور بالرضى، وخاصة منها روسيا التي أصبح اقتصادها يترنّح ويقترب سريعاً من حالة الركود. وتأثر الاقتصاد الروسي سلباً بانخفاض الأسعار العالمية للنفط، كما أن العقوبات الغربية المفروضة على روسيا بسبب تدخلها في أوكرانيا وضمها شبه جزيرة القرم، زادت الأمور سوءاً فيما يتعلق بترويج صادراتها وإضعاف نظامها البنكي. وحظيت الأزمة الأوكرانية بأهمية خاصة على هامش اجتماع قمة العشرين، وكانت الموضوع الرئيسي لعدد من القادة مثل أوباما ودافيد كاميرون ورئيس الوزراء الكندي ستيفن هاربر ورئيس الوزراء الأسترالي آبوت. ووجه الجميع نداء تحذير إلى فلاديمير بوتين بضرورة الإسراع في وضع حدّ للاحتلال الروسي لشرق أوكرانيا والتعاون مع كييف لإنهاء الأزمة. وبدا من خلال القمة أن بوتين غير مكترث بما يجري، وكان سبّاقاً لبقية الضيوف في مغادرة قاعة المؤتمر، دليلا على غضبه من الانتقادات الموجهة له من معظم المشاركين. وكان من حسن حظ أوباما أن تحقق زيارته لآسيا هذا النجاح وتقوي رصيده السياسي المعنوي عند عودته إلى الوطن لمعالجة بعض الملفّات المحلية الشائكة، بالإضافة إلى التعقيدات التي لا تنتهي لمشاكل الشرق الأوسط. وربما يختفي أي بصيص أمل في نجاحه بعقد اتفاق على تنظيم «شهر عسل» مع «الجمهوريين» الذين باتوا يسيطرون على الكونجرس بمجلسيه، والذي سيعقد جلسته الأولى بتركيبته الجديدة خلال شهر يناير المقبل، لو أنه أصرّ على تنفيذ وعده بمساعدة ملايين المهاجرين غير الشرعيين المقيمين على أرض الولايات المتحدة.