نال اتفاق الغاز الأخير بين الصين وروسيا، والذي تم الإعلان عنه فور وصول الرئيس الروسي «فلاديمير بوتين» إلى بكين هذا الأسبوع، على اهتمام أكثر مما يستحق. وحرصاً منهم على إضفاء الإثارة إلى العلاقة الاستراتيجية الناشئة بين بكين وموسكو، وصف المعلقون الاتفاق الجديد بأنه تغيير في قواعد اللعبة، كونه يرمز إلى الشراكة الجديدة بين هاتين الدولتين المتباعدتين. غير أن نظرة متعمقة تكشف أن الاتفاق يبدو، وكأنه أكثر قليلاً من مجرد جهد لضمان أن «بوتين» لم يترك الصين خالية الوفاض، خاصة في أعقاب الإعلان الصيني – الأميركي الكبير حول المناخ، فما هي حقيقة الاتفاق الذي توصل إليه «بوتين» والرئيس الصيني «شي جين بينج»؟ إن مذكرة التفاهم التي وقعاها تختلف في بعض النواحي المهمة عن اتفاق الغاز الكبير الذي سبق توقيعه في مايو، والذي اتفقت فيه موسكو والصين على شروط لتسليم 38 متراً مكعباً من الغاز الطبيعي سنوياً من حقول الغاز التي لم يتم تطويرها حتى الآن في شرق سيبريا إلى الممر الكثيف السكان في شرقي الصين. وفي المقابل، فإن الاتفاق الجديد ليس ملزماً، ويفتقر إلى الاتفاق على عناصر رئيسة، وأبرزها السعر، وقد أسفرت المفاوضات التي استمرت عشر سنوات، وسبقت اتفاق مايو عن حفنة من المذكرات المماثلة على مر السنين، والتي أصبحت روتينية إلى حد ما، وتوحي بوجود نية مستمرة لمتابعة أطر الاتفاق، ولم يتم التوصل إلى اتفاق مايو الذي تبلغ قيمته 400 مليار دولار، إلا بعد نجاح شركتي «غازبروم» وشركة النفط الوطنية الصينية في معالجة قضية السعر، ومع بقاء مسألة السعر عالقة، فإن اتفاق هذا الأسبوع يبدو أشبه ببيان سياسي. وقد يعتقد البعض خطأً أنه سيكون من الأسهل بالنسبة للشركتين الاتفاق على سعر خط الأنابيب الثاني، نظراً لاتفاقهما على سعر الأول في مايو، فقد تثبت المفاوضات المستقبلية مدى صعوبة ذلك، نظراً لانخفاض أسعار الغاز الطبيعي، ما يؤثر على تكلفته. وعلاوة على ذلك، فقد كان يُعتقد أن روسيا، الواقعة تحت ضغط عقب تدخلها في القرم، أنها قبلت في اتفاق مايو بسعر مماثل لذلك الذي تحصل عليه من أوروبا – وأقل بكثير مما تأمله، نظراً لارتفاع تكلفة الغاز في آسيا، لكن الصين بلا شك ستطالب بسعر أقل للغاز الروسي المار عبر هذا الخط الثاني، ليدخل إلى شمال غرب الصين. فماذا لو اتفقت الصين وروسيا في المستقبل القريب على السعر، وحولت هذه المذكرة إلى اتفاق ملزم؟ وإلى أي مدى ستصل أهمية هذا الخط الجديد؟ يرى «جوردون كوان» من شركة «نومورا القابضة» في هونج كونج، أن بإمكان الاتفاقين معاً تلبية نحو 17% من احتياجات الصين من الغاز الطبيعي بحلول 2020. وهذا، بلا شك، كم كبير، لكن يجب وضعه في إطار إجمالي طلب الصين من الغاز والطاقة معا، والذي يختلف تماماً عن طلب الولايات المتحدة وغيرها من الاقتصادات المتقدمة. ففي الولايات المتحدة، يتم استخدام الغاز والفحم بنسب مماثلة، وفي دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية ككل، سيحل الغاز محل الفحم كمصدر للطاقة بحلول 2035، ولكن في الصين اليوم، يمثل الفحم أكثر من60% من الطاقة مقابل 6% للغاز. ومن المتوقع حدوث تغييرات، لكن الفحم سيظل يلبي أكثر من نصف احتياجات الصين من الطاقة في العقود القادمة، وحتى إذا نجحت الصين في التوسع في استخدام الغاز كما تخطط الحكومة في السنوات المقبلة، فإنه سيشمل 10% فقط من إجمالي مزيج الطاقة في الصين بنهاية العقد. وإذا ما تم تنفيذ صفقتي الغاز الروسي معاً، فإنهما سيلبيان 1.7% فقط من إجمالي طلب الصين على الطاقة، وهناك تكهنات أن هذه الصفقات مع الصين لديها القدرة على تجاوز تجارة الغاز بين روسيا وأوروبا، ولكن دعونا ننظر إلى الأرقام. إذا صدرت روسيا إلى الصين، عبر خطي الأنابيب، القدر المخطط له، وهو 68 مليار متر مكعب، بحلول 2020، فإن هذا المقدار سيكون أقل من نصف صادرات روسيا إلى أوروبا، والتي بلغت 160 مليار متر مكعب في 2013. وهناك احتمالان يمكن تصورهما ليتجاوز حجم الغاز الروسي المصدر إلى الصين ذلك الذي تحصل عليه أوروبا: الأول هو أن تنجح أوروبا في استبدال نحو 60% من الغاز الروسي من خلال إنتاج الغاز الصخري، وزيادة الكفاءة وخفض الطلب، وزيادة وارداتها من الغاز الطبيعي المسال من الولايات المتحدة. أما السيناريو الثاني، فهو أن تسمح روسيا تقنياً بنقل مواردها من الأسواق الأوروبية لتلبية الاحتياجات الصينية، ولا يجب أن نستبعد هذا الاحتمال، نظراً لرغبة «بوتين» في تحقيق مكاسب جيو- سياسية. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»