كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه من المرونة، بحيث يفهم أحكام التشريع؛ فيدرأ الحدود بالشبهات، ويمضي إلى تعطيل أحكام قرآنية محكمة التنزيل، لأنها تواجه واقعاً متغيراً لا تنطبق فيه شروط تطبيق الحدود، كما حصل مع حد السرقة في عام المجاعة، وفيما يخص تقوية الإسلام عبر تأليف القلوب بقسم من الزكاة، إنه عمر بن الخطاب الذي وأد ابنته في الجاهلية، وهي تنفض التراب عن لحيته، فكان يتذكر ذلك ويبكي، وعندما عمت المجاعة في عام الرمادة، أُحضر له غلام قد سرق! قال: أحضروا سيده، فلوح للسيد بالعقوبة بدل الغلام، وقال: إن سرق الغلام مرة أخرى، فسوف تنال العقوبة بدلاً منه. كان عمر رضي الله عنه يفهم أن هناك آلية مرنة لتطبيق الحدود، أي مجموعة من الشروط والظروف إذا انتفت انتفى الحد ،وإذا وُجدت وُجد، وحيثما كان العدل فثمة شرع الله. إن مقدار العدل في كندا اليوم أكثر بكثير من ثلثي دول العالم الإسلامي، ولعلكم سمعتم بالتقسيم الجديد لاقتصاديات العالم والعدل، لنعرف مدى بعد بلاد الإسلام عن الشريعة الإسلامية حالياً. وحسب فهمي المتواضع، فللإسلام ثلاث وظائف: 1 ـ تركيب البوصلة الأخلاقية للفرد، وفي الوقت نفسه إلغاء أي شكل للمؤسسة الدينية، فالبوصلة الأخلاقية للفرد مهمة إلى درجة أنه من دونها يتحول الفرد إلى وحش، أما المؤسسة الدينية، فهي ديناصور لاحم بأسنان زرق. وفي التاريخ، كان الطاغية دوماً بجنبه اثنان؛ الكاهن والجلاد، وثنائية الجبت والطاغوت، كما جاءت في القرآن الكريم، تشير إلى طاغوت السياسة وجبت الديانة. 2 ـ إرساء العدل في المجتمع؛ فحيثما كان العدل فثمة شرع الله. 3 ـ إرساء السلام بين الأنام وليس إشعال الحروب. وحين شرع الإسلام الجهاد، فلأنه كان مكتملاً سياسياً،، فالجهاد هو بكلمة مختصرة «حرب عادلة» أو تدخل إنساني لرفع الظلم عن البشر، وفي ظروف خاصة يجب وضع اليد مع كل ذي عدل، كما في اطفائيات الحرائق، ووجود الشرطة لقمع مجنون، ولرفع الظلم عن الإنسان أينما كان ومهما دان، إنها وظيفة دولية عالمية كما نرى. وهنا نفهم فقهاً جديداً، وليس رغبة عمياء، وتعطشاً للدماء في تطبيق شريعة عرجاء برصاء أعمى خارج إحداثيات المكان والزمان والشروط والعلاقات، ثم الابتهاج بفيديو إجرامي يقول الجزارون فيه إنهم طبقوا الشريعة السمحاء! والنكتة مع الأحجار التي تتهاوى فوق الضحية: استوصوا بالنساء خيراً. إنها نكتة، لكنها لا تضحك أحداً. «أفمن هذا الحديث تعجبون وتضحكون ولا تبكون وأنتم سامدون». ألا إنه يوم خجل عظيم وحزن، يجب أن نتداعى فيه على جنازة هذه الموؤودة، ولأداء صلاة الغائب عليها، يوم نكوص وانحدار أخلاقي، في أمواج الظلمات التي نتوجه إليها. منذ زمن كتبت أننا سندخل عصراً ظلامياً باسم الله، وهو عصر للشيطان منه النصيب الأكبر، قبل أن يأكل الحريق كل هذه الأوهام، ثم يولد العقل، وندخل عصر التنوير، ونرى الله في وجوه ناضرة إلى ربها ناظرة، وقد يستغرق الأمر قرناً أو شبه ذلك.