في الأسبوع الماضي، شهدت المملكة المغربية بحضور شخصيات وطنية ودولية بارزة، زفاف شقيق العاهل المغربي، الأمير مولاي رشيد، ولا حديث عند الخاص والعام منذ أسابيع في المغرب إلا عن هذا الحدث، يسألون عن العروس وعائلتها وطقوس الزواج التاريخية، قديمها وجديدها، وقد تميز الحفل باحتفالات شكلت ذروتها المراسم الرائعة لحفل «الهدية»، والذي قدمت خلاله وفود الجهات الستة عشر للمملكة أفضل ما لديها من عروض فنية تقليدية، في جو من الغبطة والسرور شكلت لوحة رائعة عكست غنى وتنوع الثقافة المغربية. كما تميز هذا الحفل بمرور موكب بهيج أمام المنصة الملكية التي أقيمت بساحة المشور بالرباط وتواصل الموكب بمرور طلبة المدارس القرآنية مرتدين زياً أبيض ناصعاً، رمز صفاء الروح ونقاء السريرة وألواح القرآن الكريم تشبثاً بكتاب الله، الحامل لرسالة السلام والتسامح. وتلا استعراض مجموعة الغناء الشعبي «اللعابات»، موكب بديع لفتيات في مقتبل العمر مرتديات الأزياء التقليدية، وحاملات الشموع وبتلات الورود، كتجسيد رمزي لنور الحياة، ولمعالم الجمال والسلام. كما كان المدعوون على موعد مع حفل «البرزة»، الذي شهد الظهور الرسمي للأمير مولاي رشيد وعقيلته كزوجين، أمام أسرتيهما وضيوفهما، وذلك حسب التقاليد المغربية الأصيلة وهكذا، صدحت الزغاريد وتعالت عبارات الدعاء، بينما كانت المبخرات الكبيرة تملأ الأرجاء بعبق الرائحة الفواحة لعود خشب الصندل... ومواسم الأفراح قد دلت على حسن اتحاد ليس فيه تردد المؤسسة الملكية في المغرب تضرب جذورها في القدم، وهي أقدم مؤسسة في المغرب، ولم يستطع حتى المستعمر الفرنسي أو الإسباني إزاحتها كما فعل في دول مجاورة كانت تحت الحماية أو الاستعمار، لذا وضع المقاومون والوطنيون المغاربة عودة محمد الخامس من المنفى شرطاً غير قابل للنقاش وسابق للتفاوض على استقلال المغرب، فدوى نداؤهم في العالم بالاستنكار والتنديد والوعيد، إيذاناً بثورة عارمة أعادت بأيامها المشهورة الحق إلى أهله وأنشطت الوطن من عقاله... إن عرس الأمير مولاي رشيد ومجموعة الطقوس التاريخية والعريقة التي تحيط به دلالة على أن العرش مؤسسة سياسية، ولكنها في نفس الوقت مرآة أنتروبولوجية وثقافية وتاريخية للقواسم المشتركة بين المغاربة وللعلاقة التاريخية بين المؤسسة الملكية والمواطنين، وأن الذي يحمي العرش ليست هي أدوات الإكراه ولا الجيوش، وإنما هي الثقة بين الحاكم والمحكوم. وحتى حركة 20 فبراير التي كانت قد انطلقت في موضة ما كان يسمى بـ«الربيع العربي» لم تناد بتغيير النظام، وإنما نادت بإصلاحات في إطار الانفتاح السياسي والليبرالي الذي يعرفه المغرب منذ عقود، وتوج بدستور من الجيل الرابع، أدخل المغرب إلى مصاف الدول المتقدمة دستورياً وسياسياً. وعودا إلى عرس الأمير مولاي رشيد، ولمن أراد أن يتبحر في تاريخ وطقوس الأعراس في المغرب، أنصح بالرجوع إلى كتاب كان قد ألفه المؤرخ والعلامة المغربي عبدالهادي التازي سماه بـ«أعراس فاس» يحكي فيه صوراً وعادات طريفة تمزج حكماً وأساطير من الشرق والغرب، تلك العادات كونت القاعدة التي دأب المغاربة على احترامها عبر السنين. ويعود المؤلف بالقارئ إلى العادات القديمة التي تمس الزواج ويورد الأمثال الشعبية، التي تؤكد على العادة، كأن تقوم الأم باختيار العروس الصالحة لابنها عندما تلحظ منه حركات عناد وتمرد ومحاولة لفرض نفسه، مما يبرر لنا المثل المغربي العامي المشهور القائل: «إذا شفت العزرى أعواج أعرفه أحب الزواج»، ويحكي المؤلف عن عادة المهر في فاس، وكيف أن على العريس أن يجمع المهر بنفسه وإلا لن يعرف قيمة الزواج. ويستند المؤلف إلى بعض المراجع الأجنبية للتأريخ للعادات المذكورة في كتابه، كما يورد بعض المصادر العربية، مثل كتاب ابن بطوطة «تحفة النظار في غرائب الأمطار وعجائب الأسفار»، يقول: وعلى نهج ما حكى ابن بطوطة عن دمشق الشام، فإن الأوقاف المغربية خصصت من ريعها منذ القدم دوراً أسمتها دور العرايس جعلتها رهن إشارة المتزوجات ممن ينتمين إلى أسر عريقة عضها الفقر وشملها الحرمان والإهمال، وقد كان في فاس ثلاثة أدوار: بيد أنه ومع الأسف لم تستمر هذه العادة، كما ينبغي ويحكي الكاتب عن الصندوق الأصفر، الذي لا يفارق العروس وهو صندوق صغير يحتوي على الأشياء الضرورية، التي يتوقع احتياج العروس لها من أنواع الزينة والحلي، وربما بعض الزاد الخفيف.