امتحان ثقة دوري هو الأول من نوعه في فيتنام، مرّ به رئيس وزرائها «نجوين تان دونج»، أول أمس السبت، وقد اجتازه بنجاح، حيث صوتت أغلبية برلمانية لإبقائه في المنصب، تكريساً لتقليد جديد أقرته فيتنام ويقضي بالتصويت سنوياً على أداء كبار المسؤولين فيها. ونجوين تان دونج؛ سياسي فيتنامي ومقاتل سابق في حرب التحرير، وهو رئيس وزراء فيتنام منذ عام 2006، والشخصية الثالثة في التسلسل الهرمي للحزب الحاكم، بعد رئيس الجمهورية ووزير الدفاع، منذ مؤتمر الحزب في يناير 2011. وقد ولد دونج في «كا ماو» بجنوب فيتنام عام 1949. وفي سن الثانية عشرة تطوع في صفوف «الجبهة الوطنية لتحرير جنوب فيتنام» (الفيتكونج)، وحارب في الجنوب وفي الغرب خلال حرب فيتنام (1954—1976) وأصيب أربع مرات، وترقى إلى أن أصبح نقيباً وآمر فوج المشاة 152، ثم رائداً وقائداً عسكرياً لمقاطعة «كيين جيانج». وبعد انتهاء الحرب عام 1976 واصل مهامه في «القوات المسلحة الشعبية» حتى عام 1984. وخلال سنوات عمله كمقاتل وكضابط في القوات المسلحة، شارك دونج في دورات تأهيلية رفيعة المستوى في مدارس الحزب الشيوعي الفيتنامي، ليصبح أحد الوجوه السياسية للحزب. وقد انضم دونج للحزب الشيوعي عام 1967، وأصبح مقرباً من القائد المحافظ «دوك آنه»، ثم من القائد الإصلاحي «فو فان كيت»، ليصبح أصغر عضو في المكتب السياسي للحزب عام 1996. وفي العام التالي أصبح نائباً لرئيس الوزراء، ثم محافظاً للبنك المركزي بين عامي 1998 و1999. وحين تولى رئاسة الحكومة بتوصية من خلفه «فان فَان خاي» الذي تقاعد من المنصب، في يونيو 2006، كان أصغر رئيس وزراء فيتنامي (56 عاماً لدى توليه المنصبه). وفي يوليو 2011 تمت إعادة انتخابه رئيساً للوزراء. وخلال هذه السنوات اهتم دونج بتحديث البنى الاقتصادية والإدارية للبلاد، وأطلق في 2010 مبادرة إلكترونية لمكافحة الفساد، أتاحت إمكانية الإبلاغ عن المسؤولين الفاسدين عبر الإنترنت، كما أجرى حوارات إلكترونية مع أكثر من مليون مواطن فيتنامي، أجاب خلالها على أسئلة في السياسة والاقتصاد والخدمات العامة وحقوق الإنسان. وخلال سنوات حكومته سجل الاقتصاد الفيتنامي نمواً متزايداً بفضل سياسات الانفتاح والإصلاح التي عمل على تعميقها. وتكريساً لهذا التوجه فقد نما الاقتصاد الفيتنامي خلال الربع الثالث من العام الجاري بنسبة 6.2 بالمئة، بدعم من الصادرات التي زادت خلال الفترة نفسها بنسبة 14.2 بالمئة لتصل 107 مليارات دولار. وتشمل قائمة الصادرات الأساسية لفيتنام المنسوجات والنفط والأحذية والأجهزة الإلكترونية. أما خارجياً، فقد وطد دونج علاقات بلاده بالكثير من دول العالم، لاسيما الولايات المتحدة الأميركية ودول الاتحاد الأوروبي، علاوة على روسيا والهند. ورغم أن تطبيع العلاقات بين هانوي وواشنطن يعود لعام 1995 في عهد رئيس وزراء فيتنام الإصلاحي «فو فان كيت» الذي دشّن سياسة خصخصة الاقتصاد والانفتاح الخارجي، فإن تلك العلاقات عرفت تطورها الأقوى في ظل حكومة دونج الحالية، التطور الذي توّجه في أكتوبر الماضي رفع الحظر الأميركي على بيع الأسلحة لفيتنام، علاوة على التبادل التجاري الذي تضاعف بين البلدين من 7?5 مليار دولار عام 2006 إلى 16 مليار دولار العام الماضي. كما وطد دونج علاقات بلاده بالدول الأوروبية الرئيسية، مثل بريطانيا وفرنسا وألمانيا، وفي الوقت ذاتها اهتم بتطوير الشراكة الاستراتيجية مع روسيا، فأبرم معها في 2009 عقوداً لشراء غواصات وطائرات وعتاد عسكري متنوع. لكن علاقة بلاده بالصين ساءت خلال السنوات القليلة الماضية، مما جعل 60 عضواً بارزاً في الحزب الشيوعي الفيتنامي يطالبون، في مايو الماضي، بـ«التخلص» من الاعتماد على الصين، وقبل بذلك بأسابيع اعتبر دونج أن الصين تمثل تهديداً كبيراً للسلام؛ لقيامها بإنشاء منصة للتنقيب عن النفط في منطقة متنازع عليها في شرق بحر الصين. وهو التصريح الذي اعتبرته بكين سبباً محرضاً لأعمال الشغب التي استهدف خلالها آلاف الفيتناميين الغاضبين مصالح صينية في فيتنام، مما اضطر دونج لتوجيه رسالة نصية عبر الهاتف إلى جميع مواطنيه يدعوهم فيها للصبر والسكينة. وقام دونج بتعزيز علاقة بلاده مع المنافس الإقليمي اللدود للصين، أي الهند التي وعدت بتحديث قوات الأمن والدفاع الفيتنامي خلال زيارة دونج مؤخراً لنيودلهي، حيث أبرم صفقة تورِّد بموجبها الهند أربعة زوارق حربية إلى فيتنام، لتوثيق الروابط الأمنية بين الدولتين. ورغم ذلك لم تفتأ الدول الغربية توجه انتقادات لسجل حقوق الإنسان في فيتنام، خلال رئاسة دونج للحكومة (وقبلها أيضاً بطبيعة الحال)، إذ لم يلحظ المراقبون الغربيون تغيراً كبيراً في سياسات القبضة المركزية للحزب الشيوعي الحاكم، خاصة فيما يتعلق بالتضييق على أنشطة المعارضة، وبعض «الانتهاكات الأخرى لحقوق الإنسان». لكن دونج يتزعم تياراً إصلاحياً داخل الحزب، يتلقى الكثير من الانتقادات وعرائض التوبيخ التي تتهمه بالتساهل في فرض الانضباط داخل الحكومة والحزب. ومع ذلك فإن سياسته الاقتصادية ونهجه في إدارة العلاقات الخارجية، يحوزان على إعجاب الحزب الشيوعي الحاكم، وهذا ما يفسر حصوله أول أمس السبت على نسبة 64 في المئة من الأصوات داخل البرلمان لصالح منح زعامته «ثقة عالية». محمد ولد المنى