ما عاد الحديث عن «ارتهان» إيران لأجزاء أساسية بالمشرق العربي، حديثاً شعبياً، أو من مبالغات الجالسين على المقاهي! فبالأمس قال رئيس وزراء لبنان «تمام سلام»، إنّ اتفاق إيران مع الأميركيين بشأن النووي سوف يُحدثُ انفراجاً يعين على انتخاب رئيس للجمهورية بالبلاد! أما يوسف بن علوي وزير الدولة للشؤون الخارجية بسلطنة عُمان، حيث جرت الاجتماعات عَلَناً هذه المرة بين إيران ومناقشيها الدوليين، فكان أكثر تفاؤلاً بكثير، إذ ذهب إلى أنّ التطور الإيجابي في العلاقات بين أميركا وإيران يفيد الخليجيين والعرب! لقد كان الانطباع في السنوات الثلاث الأخيرة أنّ الصفقة بين إيران وأميركا على النووي ستؤدي إلى مبادلات لغير مصلحة العرب. ففي مقابل تنازل إيران عن النوويات أو تأجيلها، تُطلق أميركا يدَ إيران في المشرق العربي (والآن في اليمن!) ليصبح منطقة نفوذ لها مسلَّماً بها! وهذه فكرة شعبية وتبسيطية بالفعل، وبخاصة بعد الثورة السورية، ثم بعد «داعش»، فإطلاق اليد بالمشرق لإيران كان حاصلاً منذ عام 2010 على الأقل، فقد انسحب الأميركيون من العراق وتركوه للإيرانيين، وسوريا كانت في الأصل لهم (وليس لأردوغان كما توهم)، وكذلك لبنان. إن الذي حصل بين 2010 و2014 أنّ كل الدول والبلدان التي دخلتها إيران شاع فيها القتل والخراب، وبأيدٍ إيرانية مباشرة أو غير مباشرة. ففي العراق حكم المالكي لفترتين، وكان الجنرال سليماني (والميليشات التي أنشأها بالعراق) هو المشرف على كل السياسات، وعندما نشبت الحرب على الحراك الشعبي بسوريا، ما اكتفى الإيرانيون بإرسال المال والسلاح والخبراء، بل أرسلوا أيضاً الميليشيات الطائفية العراقية واللبنانية والأفغانية. وتبرع المالكي لسليماني والأسد بمائتي ألف برميل من نفط العراق للتمويل والتسليح، أي 6 مليارات دولار سنوياً، وهكذا حتى في نشر النفوذ والسيطرة ما كان التصرف الإيراني حكيماً أو مستوراً، بل كان وما يزال طائفياً صُراحاً. وإلا فما معنى قول حسن نصرالل،ه إنه ذاهبٌ إلى سوريا لقتال التكفيريين، وحماية مراقد آل البيت! وهذا إحلالٌ لدم الشعب السوري قبل «داعش» و«النصرة»، وزعم بحماية مزارات لآل البيت، السنة هم الذين بنوها في الأصل! أما في لبنان، فإنّ حلفاء إيران والمستأسدين ما اكتفوا بذلك، بل سيطروا على الحكومة اللبنانية بالكامل عام 2011. ما نجح الإيرانيون إذن في نشر سيطرتهم، مع الإبقاء على مظهرٍ للدولة أو احترام للمجتمعات. لذلك، فقد شاع الاضطراب في كل مكان دخلوه، من القتل والقتل المضاد، وتدمير العمران والإنسان، وإهلاك الدول والبلدان. ولذلك، وبعد ثوران «داعش»، وعجز إيران وأنصارها عن ضبط هذا الهول، عاد الأميركيون إلى مستعمرتهم السابقة التي أعطوها عام 2010 لأصدقائهم الإيرانيين غنيمةً باردة ففشلوا في حفظها! لماذا فشل الإيرانيون في حفظ نفوذهم في العراق وسوريا ولبنان؟ لأنهم ما سيطروا فقط بالسلاح والميليشيات، ونهبوا هم وأنصارهم البلاد والعباد، بل أضافوا لذلك «فضيلة» جديدة هي السطوة الطائفية! والذي يتأمل احتفالات عاشوراء في الأسبوع الماضي بدمشق (الأحياء الداخلية السنية البحتة) وصنعاء وبغداد وبيروت (وهي العواصم العربية التي يقول الإيرانيون إنهم سيطروا عليها)، يعرف مقدار الاستنفار الطائفي الذي حشد له الإيرانيون لإظهار الغَلَبة، وإيهام الشيعة العرب أنّ في هذه الغَلَبة فائدةً لهم! لقد كانت عودة أميركا إلى المنطقة سراً لعودة إيران، وتنحيةً لها من الوقوع في صدام مباشر مع الأتراك والعرب، وهكذا ما عاد هناك طرفان فقط، الولايات المتحدة التي انسحبت وتشرف من فوق، وإيران التي تتقدم على الأرض جارفة البلاد والعباد. لدينا نصف مليون قتيل عربي و13 مليون مهجَّر، وهذا فضلاً عن خراب البلدان والعمران، وصعود الانشقاقات والأصوليات والحروب الطائفية. إيران تزعم الآن أنها ما تزال تجمع أوراقاً لتبادل بها ليس مع أهل المنطقة، بل مع أميركا. وليس المهم أن تكون إيران مقتنعة بذلك، بل الأهم ألا يُداخل هذا الوهم الذي ينشره الإيرانيون مسؤولين عرباً، مثل الدبلوماسي القدير يوسف بن علوي، والسياسي العريق تمام سلام، وكما يقول المثل: «الرزق السائب يعلّم الناس الحرام»!