في وقت عصيب يشهد صراعاً ضارياً بين الشيعة والسنّة في سوريا، ثمّة حرب دينية أخرى على وشك الاندلاع في القدس، أطرافها هم اليهود والمسلمون والمسيحيون. ويدفعني إلى هذا التحذير، التوترات القائمة بين الإسرائيليين والعرب، بسبب الخلاف المحتدم للسيطرة على قبة الصخرة التي يدعوها المسلمون أيضاً «الحرم القدسي الشريف» وتقع في المدينة القديمة للقدس التي يعدّها اليهود الموقع الأكثر قداسة، فيما يطلق عليها المسلمون أيضاً اسم «ثالث الحرمين الشريفين». وجاء في مقال نشرته صحيفة هآرتس الإسرائيلية: «أصبحت قبة الصخرة بمثابة برميل البارود، وأصبح لهواة الحرق والتدمير اليد الطولى فيها». وعلى أن وضع القبة بالغ الحساسية، باعتباره يمثل في زعم اليهود موقع هيكل الملك سليمان فيما يعتقد المسلمون أن النبي محمد عرج منها إلى السماء، وهذا ما دفع اليهود إلى التخلي عن حكمها الإداري للفلسطينيين والأردنيين بعد أن احتلوا القدس الشرقية والضفة الغربية في حرب عام 1967. وبعد ذلك، وفي الوقت الذي شهد الشرق الأوسط انفجار الأوضاع، وجد إسرائيليو "اليمين المتطرف" بمن فيهم كبار أعضاء الحكومة والكنيست أن الوقت بات مناسباً لإعادة النظر في وضع القبّة. وزعم بنيامين نتنياهو أن الحال سيبقى على ما هو عليه إلا أن الفلسطينيين لم يصدقوه بعد أن عمد المتطرفون اليهود إلى فرض إرادتهم. وأصبح التوتر القائم هناك يهدد بإطلاق انتفاضة فلسطينية جديدة، ولقد بدأت مؤشرات تصاعد العنف تتزايد بعد أن تضاعف عدد العمليات التي تستهدف اليهود في الفترة الأخيرة. وباتت القضية مربط الفرس بالنسبة للفلسطينيين بمن فيهم حركة "حماس". كما أن هذا التوتر بدأ بإثارة الخلافات مع الأردن، كما أن هذا العمل يعرقل سعي إسرائيل لإقامة علاقات تعاون جديدة مع الدول الإسلامية السنّية المعتدلة في حربها ضد «داعش». وفي أسوأ الأحوال، فإن انفجار قضية قبة الصخرة قد يؤدي إلى المزيد من العداء مع العالم الإسلامي برمته. وهذا يعني أن الصراع بين الإسرائيليين والفلسطينيين قد يتصاعد إلى حرب شاملة بين العرب واليهود. وأصبح السماح للمسلمين بالصلاة في المسجد الأقصى، يمثل المشكلة الأساسية التي تواجه الإسرائيليين. ويعارض التلموديون المتطرفون بمن فيهم زعيم طائفة «سيفاردي» إسحق يوسف، السماح للمسلمين بالصلاة فيه لأسباب أمنية فيما رأى 56 بالمئة من عامة سكان إسرائيل من خلال استطلاع أجري مؤخراً ضرورة منع اليهود من الصلاة بجوار المسجد. وأشار محلل إسرائيلي إلى أن الحائط الغربي لقبة الصخرة الذي يصلي فيه اليهود بكل حرية، هو الذي يعد منذ زمن بعيد الموقع الأكثر تقديساً عند اليهود وليس قبة الصخرة. ولا شك أن إسرائيل عندما تتبجح بأنها تضمن «الحرية الدينية» للجميع وتسمح بالصلاة في الموقع المقدس، فإنها تبتغي من هذا الزعم تحقيق أهداف أخرى. ويمكنك أن تقرأ ما تورده المواقع التي تديرها مجموعة تنتمي إلى ما يسمى «معهد الهيكل» والذي تعرض رئيسه السابق يهودا جليك لتوّه لمحاولة اغتيال على يدي فلسطيني ونجا منها، وسوف ترى بأن الهدف الذي ينشده الإسرائيليون هو بناء الهيكل الثالث في نفس موقع الهيكل الثاني والذي سبق أن دمره الرومان. وهذا يعني دفع الفلسطينيين بعيداً عن قبة الصخرة والمسجد الأقصى. وهذه الأيام، يواظب «يوري أرييل» وزير الإسكان والتعمير الإسرائيلي على الصلاة جهاراً في قبة الصخرة، وقال لقناة تلفزيونية إنه سعيد لأنه يعيد بناء الهيكل. وفي هذا الوقت العصيب، يدفع نواب الجناح "اليميني" المتطرف في الكنيست لإصدار القوانين التي تسمح بممارسة «الحرية الدينية» في جبل الصخرة. وهذا يعني تزايد عدد رجال الشرطة وتفاقم الأعمال المناوئة للاحتلال الإسرائيلي من طرف الفصائل الفلسطينية المنظمة. وفي هذه الأثناء، يرى الأصوليون المسيحيون في الولايات المتحدة الذين يكثرون من زيارة الموقع، أن بناء الهيكل الثالث سوف يشعل أوار الحرب التي سيتقاتل فيها اليهود والعرب حتى النهاية فيما يتم التخلي عن المسيحيين حتى يصبح مصيرهم معلقاً في السماء. والآن يمكن لكل إنسان يمر في مطار تل أبيب أن يقتني من المكتبات كتاباً يتحدث عن مشروع بناء الهيكل الجديد كما سيجد فيه الرسوم والمخططات التي توضح تفاصيل هذا المشروع الإسرائيلي العدواني الجديد. ـ ـ ــ ــ ـ ــ محللة سياسية أميركية ينشر بترتيب خاص مع خدمة "إم.سي.تي. إنترناشونال"