أصبح من المعتاد أن يخلّد الساسة الألمان ومعهم مسؤولو الدول الغربية ذكرى انهيار جدار برلين الذي كان إرهاصاً لما سيحدث بعد سنتين عندما انهارت مجمل المنظومة الشيوعية. لذا جاء كتاب أستاذة التاريخ بجامعة جنوب كاليفورنيا، ماري إيليز ساروت، بعنوان «الانهيار.. الكوة العارضة في جدار برلين»، في وقته المناسب بتزامنه مع إحياء ذكرى مرور ربع قرن على سقوط أحد رموز المعسكر الشيوعي وأيقونته البارزة خلال الحرب الباردة. فالكتاب يسعى إلى تسليط الضوء على بعض الحقائق، وبالأخص دحض تصورات ذائعة في الأوساط الغربية مفادها أن سقوط جدار برلين إنما جاء نتيجة الضغط الغربي بالأساس، وأن تداعي المنظومة في ألمانيا قبل تمدد العدوى إلى باقي دول أوروبا الشرقية ووصولها إلى عقر دار الشيوعية في روسيا، كان حدثاً عرضاً، ولم يكن لسكان ألمانيا -سواء في الشرق أو الغرب- دور فيه.. والحقيقة -تقول الكاتبة- إنه مهما كانت الضغوط التي مارسها الغرب على برلين والتي جسدتها دعوة الرئيس رونالد ريجان حينما خاطب نظيره الروسي جورباتشوف، قائلا: «سيدي الرئيس أزل ذلك الجدار»، لابد من الإشارة، بل والتأكيد على الدور المحوري لنضالات الألمان من أجل حريتهم وتوحيد بلدهم. فالمطالبة بالحرية والتأكيد عليها كانت سبب انهيار الجدار وأساس الكوة التي انفتحت في صرحه. وبمعنى آخر، تستبعد الكاتبة فكرة مصادفة الانهيار باعتباره نتيجة للأحداث السابقة عنه، فهناك رأي سائد في الغرب يقول إن السياسات السوفييتية خلال الثمانينيات ومحاولات الإصلاح التي قام بها الحزب الشيوعي، مثل «البريسترويكا» و«الجلاسنوت» هي ما أدى إلى تآكل لبنات الجدار وما يرمز له من سياسات قمعية. والحال أن الألمان الشرقيين بذلوا تضحيات جسيمة لإسماع صوتهم، ويدل على ذلك خروجهم الكبير في المظاهرات التي أشعلت فتيل الانهيار في أكتوبر1989، وقد جاء هذا الخروج في العام نفسه الذي شهد فيه العالم بأسره مجزرة ساحة تيانامين وسط بكين، وكيف تعاملت السلطات الصينية مع المحتجين، فكانت المخاوف حقيقية من أن تكرر السلطات الألمانية السيناريو الصيني. لكن مع ذلك خرج أكثر من مائة ألف ألماني للاحتجاج، بضعف المعدل المتوقع، لتكر السبحة وتتعاقب الأحداث. فتحت الضغط ترددت، تقول الكاتبة وهي تسرد الأحداث، قيادة الحزب الشيوعي في ألمانيا الشرقية مستنكفة عن استخدام القوة، بعد أن فوجئت بحجم المظاهرات التي خرجت احتجاجاً على السلطة، بالإضافة إلى الانقسامات التي اخترقت الحزب الحاكم. وما أن اشتدت حدة الاحتجاجات حتى بدأت السلطة في تقديم تنازلات، مقترحةً بيع هدْم الجدار لألمانيا الغربية، علّها تنقذ اقتصادها المفلس، حيث طالبت بالحصول على قرض بقيمة 5.7 مليار دولار على مدى السنتين التاليتين، ثم بين ملياري وثلاثة مليارات دولار إضافية تدفع كل سنة مقابل حرية المرور عبر بوابات الجدار. لكن الحكومة في بون رفضت العرض. وبعد محاولات فاشلة لاحتواء المظاهرات بدأت القرارات المتضاربة في الصدور، مثل إعلان المتحدث باسم اللجنة المركزية للحزب الشيوعي إقرار تعليمات تسمح بحرية المرور عبر الجدار، وهو ما أدى إلى توافد الآلاف من الشباب الألمان ليتزاحموا بمحاذاة الجدار، محاولين المرور إلى الضفة الغربية. وفي النهاية، تقول الكاتبة، انهار الجدار بفضل تضافر عدد من العوامل، كان للديناميات الداخلية ونضال الشعب الألماني الدور الأبرز فيها. زهير الكساب ------- الكتاب: الانهيار.. الكوة العارضة في جدار برلين المؤلف: ماري إيليز ساروت الناشر: بيسيك بوكس تاريخ النشر: 2014