قبل أسبوع، أكدت في مقال لي أن نظام الانتخابات الحالي في الولايات المتحدة يعرض الحكومة الأميركية للبيع كل عامين، والرئاسة والكونجرس كل أربعة أعوام، ومجلس النواب بأكمله وثلث مجلس الشيوخ وكذلك حكام الولايات والقضاة ومسئولين غيرهم للبيع كل عامين، كما حدث في انتخابات التجديد النصفي التي أجريت في 4 نوفمبر الجاري. وحجتي هي: حيث إن الانتخابات الوطنية يتم الفوز بها أو خسارتها وفقاً لكم الإعلانات التليفزيونية المدفوعة، فإن أولئك الذين لديهم أكبر قدر من المال يفوزون بها. ولا ينبغي أن تسير الأمور كذلك، لكن عموماً كانت هذه هي نتيجة تصويت 4 نوفمبر. فالنجاح الكبير للمال فاق التوقع. لذلك فالأميركيون الآن يعيشون في حقبة حكم الأغنياء: فالدولة التي يقال إنها تقود العالم، تسيطر عليها الشركات والمجموعات المالية الكبيرة والأثرياء من الأفراد. فهل بالإمكان فعل شيء لتغيير هذا الوضع؟ كما ذكر الاقتصادي الفرنسي «توماس بيكيتي» مؤخراً، فإن الاتجاه الحالي للاقتصاد الدولي يتمثل في زيادة ثروات الأغنياء، حيث إن معدل العائد على الاستثمار يعد مؤشراً على معدل النمو في الاقتصاد الكلي. بيد أن الأغنياء، وفقاً للتوجه السائد للاقتصاديين، لا يخلقون فرص عمل. والصناعة لا تدعم توسع القوى العاملة، وما تفعله هو زيادة عائدات المستثمرين. وفي العقود الثلاثة الماضية، ساهمت التكنولوجيا في تدمير فرص العمل، حيث إنها تهدف أساساً إلى خفض التكاليف. وكان الاقتصاد العالمي يميل إلى تصدير مجالات التصنيع التي تحتاج قوى عاملةً، إلى الدول الفقيرة حيث تنخفض الأجور وتسوء ظروف العمل. وحيث إن حكومات الدول التي تفضلها العولمة تميل للقيام بما في وسعها للحفاظ على الظروف التي تجذب الاستثمار العالمي، فإن الصناعة تنتقل إلى الدول التي تسوء بها ظروف العمل وتنخفض الأجور: وبذلك تنخفض التنافسية إلى الحضيض. ويميل الرأي العام إلى معارضة العواقب الوخيمة للتصنيع والخدمات التي تكتسب صفة العولمة. لكن ليس هناك حتى الآن أدلة مقنعة على أن الولايات المتحدة بها قوى لعكس الظروف السائدة حالياً. هذا هو الوضع الذي منح فيه الاقتصاد بعض العوائل نسبة كبيرة من الثروة القومية للولايات المتحدة، وهو توزيع للثروة يتيح لأقلية قليلة إمكانية ممارسة قدر كبير من القوة الانتخابية- تقاس من خلال الدعاية السياسية التلفزيونية- في الانتخابات القومية، أكبر من الجزء الرئيسي من إجمالي الناخبين. وقد تساءلت: هل من مخرج من هذا الوضع، بخلاف التغيير الثوري في الطريقة التي يعمل بها الاقتصاد والنظام السياسي، تغيير ضد المصالح المادية للشركات والمستثمرين والطبقات السياسية المهيمنة؟ ومع ذلك، فقد حدث التغيير في الماضي، ثلاث مرات منذ الحرب الأهلية. خلال «العصر الذهبي» الأميركي الذي صاحب الطفرة الاقتصادية والصناعية الكبيرة في الشمال والتي أعقبت هزيمة الجنوب في الحرب الأهلية، وعندما تم إنشاء السكك الحديدية عابرة القارات، والتي صاحبتها التنمية الصناعية الحديثة، وفتح قانون المسكن وما حوله من أرض الولايات الغربية للاستيطان من خلال عرض الأراضي بالمجان لمن يرغب في زراعتها. أثناء ذلك مرت واشنطن بمرحلة من الفساد، كما فعلت المدن المزدهرة في الشمال الشرقي، وباتت تحكمها آلات سياسية استغلالية. وقد أوحى الكساد الذي شهدته البلاد (1873-1879) بردود فعل شعبية وأول حركة نقابية أميركية، والتي جمعت بسرعة 700 ألف عضو. وقد وجدت هذه الحركات الشعبية قائدها في الواعظ الشعبي العظيم «وليام جينينجز براين» الذي ترشح للرئاسة وخسر في 1896 و1900، لكنه أثار حماس الأمة. وبعد اغتيال «وليام ماكينلي»، تم انتخاب «تيودور روزفلت» الذي بدأ عصراً من الإصلاحات التي شكلت الإطار التنظيمي الاقتصادي والزراعي للولايات المتحدة حتى يومنا هذا. أما ابن أخيه «فرانكلين روزفلت» الذي واجه الكساد العظيم، فقد وصف الأثرياء الذين احتقروه وحاربوه بأنهم «مخربي الثروة العظيمة»، وهو التعبير الذي ناسب الشخصيات الرئيسية في الانتخابات الماضية، ويوضح ضعف الديمقراطية أمام حكم الأثرياء حالياً. ---------------------- *كاتب ومحلل سياسي أميركي ------------------ ينشر بترتيب خاص مع خدمة «إم. سي. تي. إنترناشيونال»