قال في دفاتره: «في زمن دون سيف لا يمكن أن يكون هناك إسلام حقيقي».هذا ما وجد في دفتر «إيوب الأوزبكستاني» الذي تدرب على الجهاد. والقصة في غاية التعقيد، لكونها ترتبك لوجود فكر تمكن من اختراق العقول، وتحول إلى سلوك يرسم حياة الإنسان، بينما الجهود مازالت مبعثرة في كيفية فهم ما يحدث من جانب الجماعات الجهادية التي اعتنقت فكرة الموت والدمار لأجل أهداف مقدسة! تلك الدفاتر عثر عليها في آسيا الوسطى عام 2001، وقد عكف عليها باحثون أرادوا دراسة ما جاء فيها وفهم الرسومات المعبرة عن الفكر الذي تمكن من إعادة بناء العقول بين بعض شباب آسيا الوسطى. وقد تم نشر تقرير متكامل، تحت عنوان «دفاتر إرهابية» في مجلة «فورين بولسي»، في مارس 2003. ومَن يتعمق في هذه الدفاتر يدرك أن عملية غسل العقول تمت وفق خطط نفسية معقدة، ومن قام بتمكين هؤلاء الشباب هم جماعات متشابكة في علاقاتها عبر وسائل التواصل الإلكتروني التي اخترقت حدود الجغرافيا. واستطاعت هذه الجماعات إنتاج ممارسات عنيفة استندت إلى أفكار مغلوطة، وقدر لها أن تغير سلوك الأفراد ليتجه نحو الدمار والعنف بين شرائح شابة عاشت أزمات نفسية واجتماعية وشعرت بفراغ، وكان هناك من يرصدها لاستدراجها موظفاً «المقدس». وعلى الجانب الآخر، لم يكن لدى من يقاوم فكرة العنف القوة العقلية، أو الفكرية لفهم أسباب التحول في بناء العقول، فكان هناك دائماً تنظيم للجهود الأمنية أو العسكرية القائمة على السلاح، بينما الحرب هنا غير متعادلة، لأن السلاح العسكري يفشل في تغيير العقول، بل يمد الجانب المتطرف بمزيد من الحجج الفكرية لدعم موقفه. وهكذا تنتشر فكرة الإرهاب، وتتحول إلى فعل مقدس ينجو بالإنسان من الدنيا ليذهب إلى عالم الآخرة الذي ترتاح فيه النفس المؤمنة. كنت أقول لأحد المسؤولين: هل لديكم من الخبراء المختصين في علم النفس ما يكفي لمعرفة التحولات العقلية؟ فكان يرد بكل ثقة: لا، لدينا وسائلنا الخاصة القائمة على فكرة الأمن التقليدي. والحقيقة أن القضية معقدة، ولم تجدْ جهوداً فكرية منظمة للبحث حول كيفية دخول الأفكار الهدامة وتحولها إلى قناعات راسخة في عقول الشباب، تدفعهم نحو تبني الموت والتدمير لأجل أهداف مقدسة. فهناك مخزون متجدد من القناعات التي تجد طريقها إلى الشباب، وهو مخزون لا يمكن القضاء عليه بالسلاح، لأن وسائل المواجهة مختلفة ومتباعدة. وإضافة إلى أن هناك ظروفاً أحاطت بانهيار دولة عظمى كانت تعرف باسم الاتحاد السوفييتي، وتحولت إلى دول متناثرة، بعضها هش في بنائه، فقد صاحبت تلك الظروف عملية إعادة بناء لم تخل من الفوضى، فكان هناك من الجنود من يبيعون سلاحهم. وفي الجانب الآخر، تكونت مجموعات تبحث عن كيفية بناء قوتها الذاتية تحت مظلة الهوية، والتي دفع غيابها لعدة عقود بخروج معادلات اجتماعية متضاربة قائمة على فكرة حماية الذات. الحرب الدائرة في العراق وسوريا حالياً تزيد الحاجة إلى فهم أعمق لهذه الجماعات التي تزداد قوةً رغم قيام تحالف دولي يشن غاراته الجوية دون جدوى. فهؤلاء امتلكوا الأسلحة المتقدمة، ولديهم المخزون البشري المتنوع، وقد تفننوا في تسويق أفكارهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي، بينما الدول التي تقود الحرب مازالت تحارب بوسائلها التقليدية.