شهدت البرازيل قبل أيام، أشرس سباق على منصب الرئاسة منذ عام 1898. وتسود البلاد الآن موجة من القلق بسبب ما تمخض عن السجال الانتخابي الساخن لعام 2014 من استقطاب وعداء بين المرشحين. وبلغ الانقسام في المواقف الحد الذي دفع عالم الاجتماع «أوريليو رويديجير» إلى التوصل لنتيجة مفادها أن الأمة انقسمت على نفسها إلى نصفين. ومثل أحد الطرفين في رسم كاريكاتوري بثه على شبكة الإنترنت بسحابة حمراء تمثل الموالين للرئيسة «روسيف»، التي لا تتوقف عن الإطناب والتعظيم من شأن ما تحقق من عدالة ورخاء في عهدها، وذلك في حسابها على تويتر. وفي مواجهة هذا السحابة، ظهرت صورة هالة نورانية زرقاء كالتي يرسمها البعض حول رؤوس القديسين تتوسطها العبارات الناقمة للمعارضة على الفساد المستشري في معظم مرافق الدولة والمطالبة بالشفافية وزيادة فعالية أداء الحكومة. وظهرت بين السحابتين حفرة سوداء عميقة. وقال «رويديجير» في وصفه للأوضاع هناك: «لقد تفشّى التطرف في المجتمع، ولم نعد نتحاور مع بعضنا البعض. وأصبحنا نحتاج إلى الحوار أكثر مما نحتاج للإقامة أربع سنوات جديدة في جحيم السياسة». وجحيم السياسة هو السياسة بعينها التي تعيشها البرازيل. وهي ليست من النوع الذي اختطّه العارفون بالخوض في أيديولوجيات الحروب. والبرازيل قبل أي شيء آخر، تمثل ثقافة مائعة تتضارب فيها الرفاهية الثقافية والفنية مع الانهزامية السياسية. ومن أمثلة ذلك شغف البرازيليين بالسامبا وكرة القدم. فكم من دولة أخرى غير البرازيل فازت بمعركة استقلالها دون أن تطلق خلال ذلك رصاصة واحدة، ثم راح ثوارها يهندسون انقلاباً عسكرياً ناجحاً باستخدام الهاتف بدلاً من الدبابات؟ ولا تكمن مشاكل البرازيل بأي حال في تشابك وازدحام الأيديولوجيات في رؤوس السياسيين. ومن النادر أن يتمكن خط سياسي بعينه من الصمود ومقاومة الانصهار في بوتقة الكونجرس بعد أن بلغ عدد الأحزاب السياسية 28 حزباً، وتحوّل مفهوم الولاء والانتماء فيه إلى سعي دؤوب لالتقاط الفرص المتاحة. ولعل الخطيئة الكبرى والتحدي الحقيقي هو الذي يتعلق بصعوبة تحقيق التطور والتقدم في خضم هذه المتاهة المعقدة من الأفكار المتضاربة. ولم يتطلب الأمر أكثر من بضع دقائق من الفائزة «روسيف» للتحدث إلى الشعب عن فوزها. وقصرت حديثها خلال ذلك على توجيه عبارات الشكر والعرفان لائتلاف الأحزاب العشرة الذي أعلن عن دعمه لها والذي قادها أخيراً إلى النصر. ومع استقرار الاقتصاد عند معدل النمو الصفري، وارتفاع معدل التضخم، ليس من المنتظر تحقيق بعض الأهداف التي يتطلع إليها الشعب كالاقتطاع الضريبي ورفع معدل الأجور. وبالرغم من أن «روسيف» فازت في انتخابات الإعادة بناءً على وعود إصلاحية، فإن أول ما فكرت فيه بعد الفوز هو رفع أسعار الوقود والكهرباء. ---------------- *محلل سياسي أميركي ينشرر بترتيب خاص مع خدمة "واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس"