الآن، وقد تحولت سوريا إلى حُطام تخترقه أحلام يسعى أصحابها إلى تحويلها إلى كيان وجودي فقد وجوده، نقول إن التاريخ السوري يزخر بأسماء يعتبر أصحابها رموزاً كبيرة للنضال من أجل سوريا في مرحلة الاستعمار الفرنسي لها، وكان ذلك النضال قد وُجه ضد المشاريع الاستعمارية، وفي مقدمتها – حينذاك – المشروع الفرنسي من أجل تكريس الطائفية المذهبية الدينية، وقد اكتسب هذا المشروع جدواه اعتقاداً بأن هذا الأخير سيحقق انتصاراً في المجتمع السوري، الذي يعيش فيه عدد من الطوائف الدينية المذهبية، تأسياً لاختراق ولفتح احتمالات الاشتعال فيما بينها. ظهر ذلك – في حينه – ضمن الخطط العسكرية والمجتمعية، التي اتبعها الفرنسيون ضد الشعب السوري. من طرف آخر، اتضح للمستعمرين الفرنسيين أن وحدة الشعب السوري أكبر من أن تسمح لهؤلاء باختراقها، وظل هؤلاء يراهنون على إحداث الوقيعة بين الطوائف السورية، بحيث أنهم بنوا جزءاً مهماً من مشروعهم الاستعماري على الرهان الطائفي، في المدن والريف السوري، وتاريخ تلك المرحلة السورية حافل بمحاولات الفرنسيين تحقيق أهدافهم، منذ دخولهم سوريا بعد الانتصار على البطل الشهيد يوسف العظمة في معركة ميسلون قرب دمشق العاصمة. ويُذكر أنهم حاولوا المستحيل مع رموز وطنية ها هنا لاستمالتهم إلى صفوف الطائفية المذهبية، وكان من هؤلاء رجال كبار اشتروا الموت في معارك عسكرية وسياسية استراتيجية ضد المحتلين الفرنسيين، في عصر كان مُفعماً بالحضور الاستعماري عالمياً. لقد برز رموز مناضلة من الرجال ضمن الطوائف المذهبية السورية وفي سياق معارك الاستقلال السوري، ظهر مثلاً إضافة إلى يوسف العظمة في الجيش السوري مع آخرين، وصالح العلي ضمن طائفة العلويين والذي قدم له الفرنسيون فكرة اقتطاع دولة علوية فرفضها، وكذلك سلطان باشا الأطرش ضمن طائفة الدروز، فعل معه الفرنسيون ما فعلوه مع العلي، وفارس الخوري المسيحي، وإبراهيم هنانو الكردي، وسعد الله الجابري، وهاشم الأتاسي، وشكري القوتلي، وغيرهم كثير، كل هؤلاء سطروا تاريخاً وطنياً في سوريا، وظلوا حتى النهاية ينادون بسوريا الموحدة. ولقد ظل السوريون يدافعون عن شعارهم الكبير، الذي يلتزم بفكرة الدفاع عن الوطن الموحد، إلى أن أُرغم الفرنسيون الغزاة المحتلون على الخروج من سوريا، التي نالت انتصارها الوطني عام 1946، حيث خرج أولئك منكسرين. ولكن المسألة لم تنته، بل استمرت أو حاول الاستعماريون الخاسئون أن يُلحقوا بها أبواباً جديدة، يستطيعون عبرها أن يرجعوا إلى سوريا، دون احتلال عسكري، بل عن طريق راح يطرح نفسه في مرحلة جديدة، هي مرحلة الاستعمار الجديد، لقد بدأوا اللعب على الداخل السوري، وهم الذين اعتقدوا أنهم أصبحوا خبراء بشؤون العودة إلى البلد العتيد الجميل، دون سلاح، لكن عبْر من اعتقدت أنهم – وهم من السوريين – ظلوا يحلمون بعودة عتاة الاستعمار في فرنسا، الثورة التاريخية الكبيرة، فكان ما كان: أرسل الجنرال الفرنسي غورو من فرنسا رسالة إلى رئيس المجلس النيابي السوري آنئذ فارس الخوري - المسيحي، يدعوه فيها إلى التعويل الكلي على حماية فرنسا للسوريين المسيحيين، نعم المسيحيين، أولاً باسم «الأخوة» المسيحية، وثانياً في سبيل تحقيق مطالبهم في الحرية الدينية وفي الاستحواذ على حقوقهم الدينية والسياسية وغيرها، جاء ردّ العظيم فارس الخوري من على سدة البرلمان السوري. أيها الجنرال، أخطأت الطريق، إنني أنا المسيحي، أحتمي بكل مسلم وغير مسلم سوري، فهم أهلي وأخوتي، بقدر ما يحتمي المسلمون وغير المسلمين السوريين بعضهم ببعض.