مما لا شك فيه أن الإرهاب والغلو والتطرف، وما ينجم عنه من توحش واستهتار بالقيم الإنسانية على نحو ما نراه اليوم في أكثر من مكان هو موضوع الساعة بلا منازع. ومن هنا، فإن القيمين على «منتدى الاتحاد» يُشكرون على تخصيص أعمال المنتدى في دورته التاسعة التي اختتمت مؤخرا في «أبوظبي» لبحث ظاهرة الإرهاب، تحت عنوان عريض هو «الإرهاب الجديد». في هذا اللقاء الذي كان لي شرف المشاركة فيه مع لفيف من المفكرين والأكاديميين من الخليجيين والعرب قُدمتْ أوراق عمل عديدة تناولت «الإرهاب كنتيجة للبعد عن الإسلام الوسطي»، و«توظيف القوى الدولية للتيارات الإرهابية في خدمة سياساتها»، و«هل الواقع العربي يفرخ الإرهاب؟»، و«كيف تصبح القوميات والاثنيات وقوداً للإرهاب»، و«تأثير الإرهاب على التكتلات العربية الإقليمية»، و«النظام العربي وكلفة مواجهة الإرهاب»، و«ثورات الربيع العربي هل هي سبب أم نتيجة للإرهاب»، و«الإرهاب في زمن حركات التغيير»، و«إعادة تصدير الإرهاب من الغرب إلى العالم العربي»، و«التنمية الشاملة كأداة لتحصين المجتمعات ضد الإرهاب» و«أهمية وسائل الإعلام في مكافحة التطرف الديني». وكما يتبين للقارئ، فإن العناوين السابقة لامست كل جوانب هذا النبت الشيطاني الذي تركناه ينمو ويترعرع ويتفرع حتى بات يهدد اليوم مصائر شعوب وأوطان عربية وإسلامية بأكملها، غير أن التوصيات التي قُدمت في تلك الأوراق أو في البيان الختامي من الصعب إنجازها بين عشية وضحاها. وأحد أسباب الصعوبة يأتي من حقيقة وجود دول تدعم الفكر الإرهابي من أجل مصالحها الخاصة، ناهيك عن وجود جماعات ومؤسسات وأفراد متمددة في كل مفاصل المجتمعات العربية من تلك التي تتبنى سرا فكر الغلو والتشدد والتكفير، وتشجع عليه وتبتهج لمظاهره وأفعال رموزه، مع ضرورة الأخذ في عين الاعتبار أن الإسلام الشيعي يتحمل مع الإسلام السني نفس القدر، إنْ لم يكن أكثر من المسؤولية لجهة ظاهرة التشدد والغلو التي أفضت إلى الإرهاب. فإذا كان الأول تجسد إرهابه فيما قامت أو تقوم به تنظيمات متطرفة، مثل «داعش» و«جبهة النصرة» و«القاعدة» و«طالبان» و«جيش محمد» ولاكشار طيبة وأبوسياف وبوكو حرام وحركة الشباب الصومالية، فإن إرهاب الثاني متجسد في «حزب الله» و«الحوثيين» و«فيلق بدر» وعصائب أهل الحق وجيش أبوالفضل العباس، و«كتائب الأشتر» الشيعية البحرينية وغيرها، بل إن الثاني يتحمل مسؤولية أكبر، لأنه يتلقى الدعم علناً من دولة معروفة بتوجهاتها وسياساتها الطائفية. تلك التوجهات التي خلقت ردود أفعال مماثلة في صفوف الإسلام السُني ابتداء من حادثة احتلال جهيمان العتيبي للحرم المكي وما بعدها. التوصيات التي خرج به لقاء المنتدى التاسع اشتملت على أمور كثيرة منها: تجديد الخطاب الديني وإعادة بناء المؤسسات الدينية بشكل يساعدها في القيام بواجباتها وفق المنهج الإسلامي الوسطي، وتطوير منظومة التعليم واستبدال التعليم التلقيني بأسلوب التعليم الابتكاري والإبداعي الحر، وضرورة تفعيل دور وسائل الإعلام في دعم مفاهيم الوطن والمواطنة والوحدة الوطنية مع ضرورة إبعاد هذه الوسائل- التقليدي منها والحديث - عن كل أشكال الخطاب المتطرف الطائفي والإثني، وتعميق الوجدان الوطني والقومي في المناسبات الوطنية والعربية، وتجفيف المنابع البشرية التي تغذي المنظمات الإرهابية بالأفراد من خلال برامج التنمية البشرية، وتوفير فرص العمل والحياة الكريمة للشباب، وبما ينقذهم من حالة اليأس والإحباط السائدة في صفوفهم، وزيادة منسوب الأمل لدى الجماهير، وذلك من خلال تبني أنظمة الحكم الرشيد، وتعزيز دور الأسرة وترابطها مع إحياء دورها التاريخي في بث القيم الكريمة وروح التسامح والتضامن والوسطية الدينية. وكان من رأي كاتب هذه السطور أن يتم وضع الدول المنفلتة أمنياً، تحت وصاية دولية أو إقليمية لسبب بسيط هو أن الإرهاب كما الطفيليات لا يجد له مأوى كي ينمو ويترعرع إلا في المياه الآسنة. والمياه الآسنة هنا، هي البلدان التي لم يعد فيها قانون أو دولة، أو حكومة قادرة على الاضطلاع بمسؤولياتها. وكان من رأيه أيضاً، أن يُصار أممياً إلى إصدار قانون لمعاقبة إرهاب الدولة، وليس فقط إرهاب الجماعات والأفراد. ولما كان أحد الأسباب وراء ظاهرة التطرف والتكفير والغلو وثقافتي الكراهية والموت، وتجنيد الإرهابيين، وتسهيل السبل أمامهم للوصول إلى مناطق الصراعات والقتل، وتلقينهم المفاهيم الدينية الخاطئة هو وسائل الإعلام الحديث التي صارت مطية حداثية للإرهابيين، فقد طالبتُ بتشديد الرقابة عليها وعلى القنوات الفضائية أيضاً التي يستغل بعض المشايخ شاشاتها وبرامجها في تحريض المشاهدين على الفتنة. والحقيقة أن المطالبة بهذا الأمر شيء مؤسف، ويتناقض مع دعواتنا إلى حقوق الإنسان وحرية التعبير، غير أن أمن البلاد والعباد وصيانة الحياة الإنسانية يجب أن يكون فوق كل اعتبار.