في أواخر سبتمبر الماضي أفرج قراصنة صوماليون عن الصحفي الألماني مايكل سكوت مور الذي ظل محتجَزاً لديهم طيلة عامين ونصف العام. ويمثل هذا الإفراج تذكيراً في الواقع بأنه إذا كانت القرصنة قبالة السواحل الصومالية قد انحسرت بعض الشيء خلال السنين الأخيرة، فإنها لم تتوقف؛ إذ مازال هناك 40 بحاراً محتجَزين في هذه الدولة الفاشلة في وقت غيّرت فيه الهجمات على السفن قبالة أطول ساحل أفريقي قطاع الملاحة البحرية بشكل جذري. وفي كتاب «القراصنة الجدد.. القرصنة العالمية المعاصرة من الصومال إلى بحر جنوب الصين»، يبين «آندرو بالمر» الخطر الذي باتت تشكله القرصنة على التجارة البحرية الدولية، والتي تمثل شريان الحياة بالنسبة للاقتصاد العالمي، مستعرضاً الخلفية التاريخية للقرصنة الجديدة، وتأثيرها على شركات الملاحة والتأمين البحري، وباحثاً دور هيئات دولية مثل الأمم المتحدة والمكتب البحري الدولي. النصف الأول من الكتاب يستعرض التطورات السياسية والتاريخية والاقتصادية التي عرفتها الصومال وأدت إلى فشل هذه الدولة في أوائل التسعينيات. فالبلد يُعتبر ضحية للكولونيالية، والقيادة المستبدة، والتدخل الأجنبي.. لكنه يتمتع بموقع جغرافي استراتيجي على منطقة القرن الأفريقي التي يمر بمحاذاة سواحلها نحو 40 في المئة من النفط العالمي. غير أن الفوضى والفقر والفرص الاقتصادية التي توفرها الطرق التجارية المجاورة، ساهمت في خلق سوق غير مسبوقة للقرصنة. الموجة الجديد للقرصنة ازدهرت بشكل كبير في 2005، انطلاقاً من منطقة بونتلاند التي أعلنت انفصالها عن الصومال عام 1998. غير أنه إذا كان القراصنة في بحر جنوب الصين يستهدفون حمولة السفن، والسفن نفسها، فإن القراصنة في بونتلاند لجأوا إلى أسلوب الخطف والمطالبة بفدى. ويجادل «بالمر» بأن القراصنة الصوماليين ليسوا سوى أحدث وجه لجريمة منظمة سريعة التكيف، إذ ينطلقون من «السفينة الأم» إلى مناطق بعيدة مثل الهند وجزر سيشل. وخلافاً للاعتقاد السائد، لم يعد القراصنة الصوماليون «ينشطون» قبالة سواحل الصومال فحسب، وإنما وسّعوا رقعة عملياتهم بحيث صارت تمتد إلى المحيط الهندي والبحر الأحمر وخليج عدن. ويقول «بالمر» إنه إضافة إلى إدارة عمليات الخطف من أجل فدى، أقام القراصنة علاقات مع منظمات إجرامية دولية في أفريقيا وأوروبا والهند؛ حيث تقوم تلك الشبكات العابرة للبلدان بغسل أموال الفدى، وتبادل معلومات استخباراتية حول تحركات السفن وقيمة الحمولات، والانتقال إلى عمليات إجرامية أخرى، مثل تهريب البشر والأسلحة والمخدرات والهجرة غير الشرعية. لكن القراصنة صاروا يعتمدون العنف على نحو متزايد، اعتقاداً منهم بأن التعذيب سيساعدهم على استخلاص فدى أكبر وتقصير مدة المفاوضات التي يمكن أن تتجاوز العام. وربما بلغ ذلك مداه في عام 2011، عندما حصل القراصنة على 13?5 مليون دولار مقابل الإفراج عن ناقلة نفط يونانية وطاقمها المؤلف من 25 رجلاً بعد 58 يوماً من الأسر. ورداً على التهديد المتزايد للقرصنة، تبنّت شركات الملاحة البحرية سياسات وآليات دفاع جديدة، من إحاطة السفن بالأسلاك الشائكة والسياجات الكهربائية والمدافع المائية، إلى استعمال حراس مسلحين على متن السفن. غير أن التكاليف الإضافية الخاصة بالمحامين والتأمين وشركات الأمن الخاصة والمستشارين الخاصين، تكبّد الاقتصاد العالمي ما قد يصل إلى 12 مليار دولار سنوياً. وعلاوة على ذلك، فإن العمليات البحرية الدولية التي تحارب أعمال القرصنة في المياه الصومالية تكلف حالياً حوالي 1?5 مليار دولار سنوياً. وبشكل عام، يمكن القول إن كتاب بالمر وإن كانت تعوزه الصرامة الأكاديمية إلا أنه يظل كتابا مهما وقيّما لأنه يقدم منظورا جديدا لتطور القرصنة المعاصرة قبالة السواحل الصومالية وتأثيراتها. محمد وقيف الكتاب: القراصنة الجدد.. القرصنة العالمية المعاصرة من الصومال إلى بحر جنوب الصين المؤلف: أندرو بالمر الناشر: آي. بي. تورس تاريخ النشر: 2014