الحرب التي تخوضها أميركا ضد «داعش» أخذت تتحول إلى مستنقع بسرعة، حيث لم تشهد الأيام الأخيرة أي مؤشرات على التقدم. فالضربات الجوية الأميركية أبطأت زحف التنظيم المتطرف على مدينة «عين العرب» (كوباني) الكردية في شمال سوريا؛ وقافلة قوات البشمركة الكردية العراقية شقت طريقها نحو المدينة للانضمام إلى القتال؛ غير أنه حتى في حال تمكن الأكراد من طرد «داعش» من المدينة، فماذا يعنيه ذلك في سياق النزاع الأكبر؟ وما الذي سيحدث بعدئذ؟ وما هي النتيجة التي ترغب فيها إدارة أوباما وخطتها لتحقيقها؟ هذه أسئلة ليست لها أجوبة واضحة، ما يشي بالكثير في الواقع. عندما ألقى أوباما خطابه في العاشر من سبتمبر معلناً اعتزامه ملاحقة «داعش» عبر كل العراق، وحتى داخل سوريا، أوضح أن التركيز سيظل منصباً على العراق. غير أنه بحلول أوائل أكتوبر، كان أوباما يلقي من القنابل على سوريا أكثر مما يلقيه على العراق. فماذا حدث؟ شنت «داعش» هجوماً على مدينة «عين العرب» (كوباني) الواقعة على الحدود التركية؛ وكانت المعلومات الاستخباراتية تشير إلى أن هذه المدينة ستسقط قريباً؛ حيث بدأت ذخيرة الأكراد المحليين في النفاد. وقد قام الرئيس التركي رجب أردوجان بنشر دباباته على الحدود، لكنه رفض استعمالها ضد مقاتلي «داعش» الذين يحاصرون المدينة؛ كما منع الأكراد الأتراك من عبور الحدود لمساعدة إخوانهم الأكراد السوريين. لذلك، وسعياً لتفادي كارثة إنسانية، أرسل أوباما طائرات من دون طيار ومقاتلات إلى المنطقة. ولوقت قصير، أرغم القصف مليشيات «داعش» على التراجع. غير أنها، وعلى غرار معظم الجيوش التي تتصف بالدهاء، سرعان ما تكيفت مع أنماط الضربات الجوية وواصلت القتال. ولتعزيز صفوفها، تقاطر آلاف المقاتلين على كوباني للمشاركة في الحرب، حتى وإنْ كان ذلك يعني الموت أثناء العملية. وفجأة، أضحى القتال على هذه المدينة المغمورة يكتسي أهمية رمزية. وإذا كانت «داعش» تقول للعالم إن كوباني تمثل معركة حاسمة على الطريق نحو انتصارها، فإن أوباما -الذي وضع موارد الولايات المتحدة ومصداقيتها على المحك- لم يكن أمامه خيار آخر سوى التعامل معها كمعركة حاسمة أيضاً. ذلك أنه إذا انتصرت «داعش»، فإن ذلك سيطلق العنان لماكينة البروباجندا التي ستكون كبيرة. وهكذا، رفع أوباما الرهان، حيث لم يكتف بإلقاء القنابل على «داعش»، بل قام أيضاً بإلقاء أسلحة وإمدادات للأكراد. ولعل هذا ما بعث الحماس في نفوس قوات البشمركة العراقية وشجعها على الانضمام للقتال: فمساهمتها قد لا تكون من دون فائدة، لأن الولايات المتحدة باتت الآن منخرطة في القتال. مسؤول رفيع في الإدارة أشار إلى عامل أكثر إغراء: فالتركز الشديد لقوات «داعش» في كوباني يتيح هدفاً عالي القيمة؛ وبالتالي، فإن بضعة قنابل ستكون كافية لقتل عدد كبير من المقاتلين. لكن عدد القتلى ليس معياراً جيداً لمعرفة الفائز بالحرب. وربما كان ذلك صحيحاً لو أن «داعش» بدأت تتضعضع وتتفكك. لكن إذا كان بضع مئات من قوات البشمركة قد تقاطرت على شمال سوريا، فكذلك الحال بالنسبة للآلاف المقاتلين المتطرفين. وقد وجد تقرير لمجلس الأمن الدولي أن 15 ألف مقاتل أجنبي انضموا للقتال من 80 بلداً. بل إن أعداد المقاتلين الأجانب الذين تدفقوا على المنطقة منذ 2010 باتوا اليوم يمثلون، وفق التقرير، «أضعاف حجم أعداد المقاتلين الإرهابيين الأجانب بين 1990 و2010، وهم في ازدياد». وهكذا، فهان نحن قد عدنا إلى الشرق الأوسط مجدداً، نحاول دعم نظام مختل، عالقين وسط نزاع طائفي، ومثقلين بحلفاء لا يقومون بأشياء كثيرة ومصالحهم تتعارض مع مصالحنا، ومعزولين عن حلفاء يمكن أن يقوموا بأشياء أكثر، لكن مصالحهم تتعارض مع مصالحنا بشكل أعمق، ومواجهين مجموعة من المتوحشين الذين تزداد جاذبيتهم كلما تعمق تدخلنا هناك. والواقع أن أوباما كان يعلم أن ذلك سيحدث، وقد قاوم التدخل في هذه النزاعات منذ البداية. وها هو ذا هناك الآن، يكافح لصعود التلة والعودة من جديد. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»