تمضي دولة الإمارات العربية المتحدة بقوة نحو بناء مجتمع المعرفة، وتتخذ من تنمية العنصر البشري ركيزة أساسية لذلك، باعتبار أن الإنسان أساس التنمية في أي مجتمع. ويحظى هذا النهج بدعم القيادة الرشيدة ورعايتها منذ تأسيس دولة الاتحاد على يد المغفور له -بإذن الله تعالى- الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، الذي ظل يؤكد طوال مرحلة التأسيس أن "التقدم والنهضة لا يقاسان بأبنية من الإسمنت والحديد، إنما ببناء الإنسان وكل ما يسعد المواطن ويوفر له الحياة الكريمة"، و"إنا أيقنَّا من البداية أن الإنسان هو أساس كل عملية حضارية وهو محور كل تقدم حقيقي". وهذا النهج هو ذاته الذي يسير عليه صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة -حفظه الله- في قيادته لمرحلة "التمكين"، وقد أكد سموه في أكثر من مناسبة أن "الإنجاز الأكبر والأعظم الذي نفخر به، هو بناء إنسان الإمارات وإعداده وتأهيله ليحتل مكانه، ويسهم في بناء وطنه والوصول به إلى مصاف الدول المتقدمة". في هذا الإطار، حرصت دولة الإمارات العربية المتحدة، ممثلة في "مؤسسة الإمارات للعلوم والتقنية المتقدمة" (إياست)، لدى إطلاقها مشروع القمر الصناعي "خليفة - سات"، مؤخراً، أن يكون تطويره بأيدٍ إماراتية خالصة، ويحمل هذا الأمر عدداً من الدلالات المهمة: فهو في المقام الأول يجسد حرص الإمارات على دخول عصر الصناعات الفضائية، وهي إحدى أكثر الصناعات تقدماً واعتماداً على التكنولوجيات الدقيقة والمتطورة، ولا تمتلكها إلا دول قليلة في العالم، واهتمام الإمارات بإقامة صناعة فضائية ووطنية يضعها في مصاف الدول الأكثر تطوراً في هذا الشأن. ثانياً، إن توجّه الإمارات إلى تطوير القمر الصناعي محلياً بدلاً من استيراده، هو بدوره وجه آخر من أوجه تميز النموذج الصناعي الوطني الذي تطمح إلى بنائه، إذ يشير ذلك إلى أنه نموذج قائم على مبدأ الاعتماد على الذات والثقة بالنفس. ثالثاً، وهو الأهم، أن حرص الإمارات على تطوير مشروع القمر الصناعي الوطني بالاعتماد كلياً على الكوادر البشرية المواطنة، بداية من مرحلة الإنشاء وصولاً إلى مراحل التشغيل والإدارة، يجسد مدى اهتمامها بتطوير القدرات المعرفية والخبرات العملية للإنسان الإماراتي، ليكون قادراً على التعامل مع أدوات الإنتاج المتطور وتطبيقات التكنولوجيات الحديثة واستخدامها بكفاءة، بما يضعه جنباً إلى جنب مع الخبراء والمتخصصين في هذا المجال في العالم، ويعود عليه وعلى وطنه بالكثير من العوائد، التي ليس أقلها ضمان استدامة التنمية، وعدم تعرض هذه التنمية لأي انتكاسات أو مخاطر في المستقبل، مقارنة بما يمكن أن يحدث في حال الاستعانة بخبرات أجنبية في إنشاء مثل هذه المشروعات والصناعات الحيوية وإدارتها، التي تعد أحد عناوين التقدم والتطور في اقتصاد أي دولة. في النهاية، يجب التأكيد أن توجه الإمارات نحو الاعتماد كلياً على الكوادر البشرية المواطنة في تنفيذ المشروعات الصناعية المتطورة، يأتي لـ "رؤية الإمارات 2021" الساعية إلى إيجاد وضع مثالي ومتوازن في سوق العمل الإماراتية، تكون فيه الكفاءات المواطنة قادرة تدريجياً على المنافسة بكفاءة على فرص العمل في مختلف التخصصات، ليس في الدولة فقط ولكن في العالم أيضاً، وأن تكون قادرة في الوقت ذاته على التطور، كمّاً ونوعاً، بما يتناسب واحتياجات النمو والازدهار الاقتصادي والطموحات التنموية للمجتمع الإماراتي وما تشهده أسواق العمل العالمية من تطور في الأجل الطويل. ـ ـ ـ ـ ـ عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.