أكتب هذا المقال من العاصمة الأميركية واشنطن التي وصلتها قبل أسبوع وسأمضي في جامعة جورج واشنطن أسابيع لإجراء مقابلات واجتماعات للدراسات التي أقوم بإعدادها عن العلاقة بين الولايات المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي ومستقبل وتحديات الدور الأميركي في منطقة الشرق الأوسط، حيث تولي واشنطن أهمية قصوى للتوصل لاتفاق مع إيران حول ملفها النووي. تبدو أميركا منغمسة في شؤونها وهمومها الداخلية ومعها التحديات الخارجية. من معركة كسر العظم بين الحزبين «الجمهوري» المعارض و«الديمقراطي» الحاكم ومواجهتين تخوضهما أميركا ضد «داعش» في العراق وسوريا ومواجهة المرض المعدي الخطير- «إيبولا»، وحتى إرسال قوات أميركية لدول في غرب أفريقيا تعاني من تفشي المرض. وهناك مواجهة مخاطر عدوى مرض إيبولا، حيث أرسلت الولايات المتحدة الأميركية 1100 عسكري وتستعد لإرسال 3900 عسكري آخرين لمساعدة دول غرب أفريقيا في مواجهة انتشار مرض إيبولا- حيث يتحول «إيبولا» لمصدر يهدد الأميركيين وبقية الشعوب- وتحشد له واشنطن وتحجر على الأطباء والممرضات وحتى العسكريين الذين يعودون من الدول التي تفشى فيها المرض لمدة 21 يوماً كإجراء احتياطي. ما أثار الكثير من الانتقادات وحتى رفض هذه الإجراءات المتشددة وخاصة من بعض حُكام الولايات والأفراد. الملفت أن الاهتمام الرسمي والإعلامي في الولايات المتحدة يتركز على تداعيات وردود الأفعال والنقاش المثير للجدل حول مرض «إيبولا» أكثر من الحرب وقصف «داعش» في العراق وسوريا والحرب على الإرهاب، وهذا بحد ذاته يوضح الأولويات اليوم في أميركا. وكان ملفتاً في الأسبوع الماضي التصعيد الإعلامي لمجلة «أتلانتك» الأميركية ووصف مسؤول في الخارجية الأميركية لنتنياهو بأوصاف غير مسبوقة في مقابلة له مع المجلة، مما زاد من فجوة فقدان الثقة بين الولايات المتحدة الأميركية وحليفتها إسرائيل، ومسارعة الإدارة الأميركية باحتواء التصعيد، لكن الواضح أن العلاقة بين أوباما شخصياً ونتنياهو وحكومته وصلت إلى درك عميق وتعاني من فقدان الثقة بين الطرفين. وسط ذلك كله،احتفل الأميركيون في اليوم الأخير من أكتوبر ككل عام بما بات يُعرف بـ«هالوين» عندما يتحول الأميركيون لأطفال ويلبسون ملابس غريبة لشخصيات مرعبة، ويتنكرون بأشكال مخيفة. والاستعداد لانتخابات التجديد النصفي الحاسم لمسقبل أوباما وحزبه. ولكن يبقى الشأن السياسي الطاغي متمثلاً في التوقعات الخاصة بانتخابات التجديد النصفي للكونجرس ومجلس الشيوخ، وتسريبات عن تغييرات في إدارة أوباما بعد انتخابات التجديد النصفي في الكونجرس، وخاصة بعد انتقادات وجهها وزير الدفاع الأميركي تشيك هاجل حول استراتيجية الإدارة في مواجهتها لـ«داعش» في العراق وسوريا، خاصة أنه بعد قرابة الثلاثة أشهر من بدء حرب الولايات المتحدة على «داعش» في العراق وشهر ونصف من الحرب على «داعش» في سوريا- فجر وزير الدفاع الأميركي في الأسبوع الماضي قنبلة مدوية باعترافه أنه يخشى أن الضربات ضد «داعش» في سوريا تقوي الأسد ولا تضعفه! يبدو الأميركيون هذا الخريف في وضع محبط، فإدارة أوباما تتعرض لهجوم قاس ٍبسبب تراجع شعبيته ومكانته في استطلاعات الرأي، وهذا أمر يتكرر في النظام السياسي الأميركي، حيث تتراجع شعبية الرئيس والحزب الحاكم في السلطة في انتخابات التجديد النصفي، إذ يخسر الحزب الحاكم مقاعد في مجلسي النواب والشيوخ، وهذا ما بات في حكم المتوقع في انتخابات التجديد النصفي التي ستجري يوم غد الثلاثاء الرابع من نوفمبر الجاري. وهذا ما يفسر وضع إدارة أوباما الدفاعي. وما يزيد من الضغوط التي تعيشها الإدارة مع عودة الشأن الأمني والمخاوف من مخاطر الإرهاب وزيادة الانتقادات لإستراتيجية أوباما حتى من داخل إدارته وبدء طرح أسئلة صعبة، كالتي طرحها وزير الدفاع تشيك هاجل وهو، (جمهوري معتدل) عن الحملة من المستفيد من الحملة العسكرية ضد «داعش». ما يزيد من الأعباء الملقاة على عاتق إدارة أوباما، حيث يعتقد 60%من الأميركيين في آخر استطلاع للرأي أن أوباما سيورث الحرب على «داعش» للرئيس القادم، فيما يعتقد 40%من الأميركيين أن الحرب على «داعش» قد تمتد لأكثر من 5 سنوات!