د. إبراهيم البحراوي أصبح هناك لبس لدى القراء نتيجة لتكرار الكتابة من جانب عدد كبير من الكتاب العرب عن أجزاء من الوثائق الإسرائيلية الخاصة بحرب أكتوبر. نجم عن هذا اللبس إهمال لنصوص الوثائق السرية التي قام بنشرها أرشيف الجيش الإسرائيلي على موقعه الرسمي على شبكة الإنترنت. ورغم أن بعض الباحثين اعتقدوا أن الأجزاء التي سبق نشرها في عام 2008 هي كل الوثائق، فقد حرصت بإحساس المسؤولية العلمية كأستاذ للدراسات العبرية الحديثة وبإحساس المسؤولية النوعية عن قيمة الانتصار الذي حققته الأمة العربية، بضرورة إعداد مشروع متكامل بالتعاون مع المركز القومي للترجمة التابع لوزارة الثقافة المصرية. هدف المشروع هو إزالة اللبس، وأهم من ذلك نقل نصوص الوثائق الرسمية المنشورة باللغة العبرية على موقع أرشيف الجيش الإسرائيلي إلى اللغة العربية لتكون النصوص الكاملة متاحة للباحثين العرب. ففي سطور تلك الوثائق جوانب عديدة لم ندرسها، بعد وهي جميعاً تؤكد ضخامة الانتصار الذي حققناه في أكتوبر 1973. لقد حجبت السلطات العسكرية الإسرائيلية أهم الوثائق الخاصة برئيسة الوزراء وكبار المسؤولين عن النشر مدة 40 سنة، رغم أن قانون إتاحة المعلومات يسمح بنشر الوثائق بعد خمسة وثلاثين عاماً من وقوع الأحداث. عندما نتأمل السبب الذي دفعهم لتأخير النشر، فإننا سنكتشف أنهم كانوا حريصين على عدم توفير البراهين على الانتصار العربي المؤزر. ذلك أن الوثائق التي أتيحت في الذكرى الأربعين للحرب عام 2013 والوثائق التي نشرت في الذكرى الحادية والأربعين عام 2014 تكشف عن درجة واضحة من انهيار القيادات الإسرائيلية أمام هول مفاجأة الهجوم العربي وقوة اندفاعه. ليس من مصلحة المعنويات الإسرائيلية أن تنشر الوثائق مبكراً، ذلك أن الحملة الدعائية التي يقوم بها الجيش والأجهزة الدعائية الإسرائيلية كانت تحاول الحفاظ على صورة الجيش الذي لا يقهر والمخابرات الممتازة، وهي الصورة التي تحطمت في عام 1973. أعتقد أن الأجهزة الإسرائيلية لديها عذرها وحجتها في تأخير النشر؛ ذلك أن التجربة العملية دلت على أن الجماهير الإسرائيلية رغم مرور أربعة عقود وأكثر ما زالت مشاعرها جريحة من الهزيمة المريرة. وتشير التجربة في عام 2010 عندما نشر أرشيف الدولة الإسرائيلية بعض محاضر اجتماعات مجلس الحرب الإسرائيلي، إلى رد الفعل الشعبي الساخط. لقد أفصحت هذه المحاضر عن انهيار وزير الدفاع آنذاك موشيه ديان، رمز الانتصار الإسرائيلي في يونيو 1967. وبوضوح قال الوزير في نصوص الاجتماعات إنه خسر 300 دبابة بأطقمها أمام المصريين ولم يعد في سيناء سوى 400 دبابة تقف بين القناة وتل آبيب، وإن الخطوة التالية هي وصول القوات المصرية إلى حدود دولة إسرائيل. اقترح الوزير بالاتفاق مع هيئة الأركان سحب القوات الإسرائيلية للخلف مسافة 35 كم وإقامة خط دفاع جديد عند ممري متلا والجدي. في أعقاب نشر الوثائق هاجت الجماهير وقامت بالاعتداء على قبر ديان وتلطيخه وتلويثه. لذا ينشرون الوثائق على فترات متباعدة، بل ويحذفون أجزاء منها أيضاً.