رغم إعلان السويد مؤخراً اعترافها بالدولة الفلسطينية، تبدو أوروبا في مجملها عاجزة مرة أخرى عن التوافق حول موقف موحد والحديث بصوت واحد إزاء قضية الشرق الأوسط المركزية. والآن يبدو بعيداً جداً ذلك الزمن الذي كانت فيه أوروبا مجمعة على موقف موحد إزاء القضية الفلسطينية، مثلما كان الشأن في إعلان البندقية عام 1979. فرغم التوجه العام لدى الأوروبيين بتفهم المطالب الفلسطينية وتطلعاتهم القومية والتعاطف مع معاناتهم اليومية في ظل الاحتلال، تبقى التصورات بين دولها مختلفة، والخطوات غير ذات جدوى على أرض الواقع، حيث سارع البرلمان البريطاني في خطوة شبيهة بالتحرك السويدي إلى التصويت لمصلحة الاعتراف بدولة فلسطين. لكن الحكومة البريطانية أكدت أن التصويت غير ملزم ولا أثر له فعلي على الميدان، فيما أشارت فرنسا على لسان وزير خارجيتها، أن «الوقت قد يأتي» للاعتراف بالدولة الفلسطينية دون أن يحدد موعداً معيناً لهذا الاعتراف. والحقيقة أنها ليست المرة الأولى التي يعترف فيها الأوروبيون بدولة فلسطين، بل سبق لدول المعسكر الشرقي السابقة التي كانت تدور في الفلك السوفييتي أن اعترفت بإعلان المجلس الوطني الفلسطيني استقلال دولة فلسطين في الجزائر عام 1988 وهي دول تشمل بلغاريا والمجر وبولندا ورومانيا وسلوفاكيا وجمهورية التشيك، وهم قاموا بذلك في إطار الدعم الذي كان يقدمه المعسكر الشيوعي للقضية الفلسطينية. لكن منذ انهيار الاتحاد السوفييتي انقلبت المواقف وتغيرت الرؤى، ولا أدل على ذلك من جمهورية التشيك التي باتت الأكثر انحيازاً لإسرائيل بعد أن مالت كل الميل لأميركا، وهي التي كانت مائلة قبل ذلك للاتحاد السوفييتي. غير أن أوروبا وانطلاقاً من وزنها ومكانتها الدوليتين يمكنها لعب دور أكثر فعالية في الاعتراف بحقوق الفلسطينيين في الحصول على دولتهم، لا سيما أنه مطلب مشروع ينسجم مع القيم الديمقراطية التي يدعون إليها، فكيف يمكن القبول في القرن الحادي والعشرين باستمرار احتلال دولة لأرض شعب آخر؟ ومع أن أوروبا تظل الشريك الاقتصادي الأول لدولة إسرائيل والمانح الرئيسي للمساعدات الفلسطينية، إلا أنها تبقى عاجزة عن التحرك، أو حتى التعبير عن الاحتجاج عندما تقوم الدولة العبرية بتدمير البنى التحتية في قطاع غزة. لكن إذا كانت الحكومات الأوروبية تلتزم الصمت وتعجز عن الوقوف إلى جانب الحق الفلسطيني في تقرير المصير، فإن الرأي العام من جهة أخرى ما فتئ يجهر بمعارضته للممارسات الإسرائيلية، ومن هنا حملة المقاطعة الواسعة التي يتردد صداها في أكثر من بلد أوروبي، والتي تطال المنتجات الإسرائيلية القادمة من المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية، بل هناك ما يشبه المقاطعة الحالية للبضائع الإسرائيلية بمقاطعة أخرى عانى منها نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، وهي معركة مؤلمة بالنسبة لإسرائيل تتوجس منها أيما توجس لأنها تفضحها أمام الرأي العام الدولي وتُخسرها حرب الدعاية أمام الأوروبيين. وفي رفضهم للاعتراف الدولي، والأوروبي، تحديداً بالدولة الفلسطينية تجادل إسرائيل أن الخطوة أحادية وليست وليدة توافق مشترك، وهو تبرير مفارق ومثير للتساؤل، إذ كيف لإسرائيل أن تتهم الخطوات الأوروبية بالأحادية فيما هي لا تكف عن الاتيان بسياسات أحادية تجاه الفلسطينيين سواء تعلق الأمر بالاستيطان وقضم الأراضي، أو حتى الانسحاب من قطاع غزة على نحو أحادي. تلك السياسة المنفردة كانت وراء ضرب مصداقية السلطة الفلسطينية وتشجيع بعض الأصوات الفلسطينية المتطرفة، فمنذ فشل مفاوضات كامب ديفيد في عام 2000 واندلاع الانتفاضة الفلسطينية وما تلاها من قمع إسرائيلي والدولة العبرية تلعب ورقة الخطوات الأحادية. أما إصرار إسرائيل على المفاوضات ودعواتها المتجددة لاستئنافها، فليست أكثر من نفاق سياسي، إذ بات معروفاً لدى الجميع أن تل أبيب لا تبحث سوى على كسب المزيد من الوقت للاستمرار في الاستيطان، وذلك في وقت لم يتم التوصل فيه إلى اتفاق ملزم حول إعادة إعمار قطاع غزة، إذ رغم إقرار مبلغ خمسة مليارات دولار لإعادة الإعمار لا يعرف حتى الآن الطريقة التي ستدخل بها مواد البناء في ظل الحصار المتواصل على القطاع، هذا بالإضافة إلى ما تثيره قضية إعادة الإعمار من أسئلة من قبيل مساهمة إسرائيل المنعدمة في المجهود، رغم أنها الطرف الذي ألحق الدمار بالنبية التحتية، وأيضاً كيفية التوصل إلى اتفاق دائم يُنهي الصراع ويسمح للغزيين بمواصلة حياتهم الطبيعية بعيداً عن الحصار والاحتلال، وهو الأهم من إعادة إعمار تأتي إسرائيل بعد حين لتسويتها أرضاً.