مع اقتراب موعد إجراء الانتخابات النصفية التي لم تعد تفصلنا عنها إلا بضعة أسابيع، طلب مني بعض الزملاء العرب مرة أخرى شرح الأسباب التي تدفعني إلى تأييد الحزب «الديمقراطي». وهم يرون أنه ليس لأي من الحزبين الأميركيين الرئيسيين «الديمقراطي» و«الجمهوري» سجل يستحق الإشادة به في القضايا التي تهم العالم العربي. وكما ورد في الكتيّب الصادر عن المعهد العربي الأميركي في واشنطن تحت عنوان «دليل التصويت على عضوية الكونجرس»، فإن للغالبية العظمى من الشخصيات التي تنتمي إلى كلا الحزبين سجل تصويتي مخيف حيال القضايا التي تهم العرب الأميركيين. فكيف يمكن إذن اختيار الحزب الذي نصوت له، وما هي الأسس التي يجب أن يستند إليها الناخب عندما يدلي بصوته؟ وفي ردي على هذه الأسئلة، تعرضت للجذور التي انطلق منها تفكيري السياسي، والدروس التي تعلمتها من أمي ومن خبرتي الحياتية الشخصية. ويعود أفضل مثال عن أسلوب أمي في التفكير إلى عام 1966 عندما استضافها برنامج «صباح الخير أميركا». وكانت قناة «إي بي سي» التلفزيونية التي تبث البرنامج تريد أن تعرف السبب الذي يدفع هذه المرأة الكاثوليكية التي بلغت عامها التاسع والثمانين للتصويت لصالح «الديمقراطيين». وبدأت أمي تشرح لهم قصة وصول عائلتها اللبنانية المهاجرة إلى شمال شرق بنسلفانيا مطلع القرن العشرين، حيث كان الحزب «الديمقراطي» هو الذي رحب بهم وقدم لهم المساعدة حتى وجدوا طريقهم في العالم الجديد. وعاشت عائلتي في قلب الولاية التي تشتهر بإنتاج الفحم الحجري، وكان كل جيرانها مهاجرين جاءوا من أيرلندا وشرق ووسط أوروبا وكانوا يزاولون أعمالاً شاقة ولوقت طويل كل يوم في مناجم الفحم. وقالت إن «الديمقراطيين» أنفسهم هم الذين عملوا على حماية حقوق ومصالح المهاجرين. وعندما ألقت الأزمة المالية العالمية عام 1929 بظلالها القاتمة على أميركا والعالم، كان الرئيس فرانكلين روزفلت (من الحزب «الديمقراطي») هو الذي سارع إلى ابتداع برنامج «الصفقة الجديدة» الذي أعاد العاطلين إلى أعمالهم وتمكن من تأسيس شبكة الأمن الاقتصادي للمتضررين من الأزمة. وتحدثت أمي بعد ذلك عن دور الحزب «الديمقراطي» في الدفاع عن الحقوق المدنية والأمن الاجتماعي والرعاية الطبية وإطلاق المشاريع التي تهدف إلى مساعدة الفقراء وذوي الاحتياجات الخاصة والأطفال المعرضين للأخطار. وباختصار، نشأت أمي وترعرعت على القناعة بأن الحكومة هي التي تتحمل مسؤولية تقديم يد العون لكل من يحتاجون إليها. وقد لمست إخلاص الحكومة في تحمل هذه المسؤوليات على النحو السليم. وعندما كنت في سن المراهقة، استرسلت أمامها في الحديث حول المحسوبيات والأفعال الشيطانية التي تمارسها الحكومة، ولكنها قاطعتني بإشارة اعتراض على ما أقول بإصبعها التي أشهرتها في وجهي وقالت لي: «لو لم تقدم الحكومة المساعدة في مجال الأمن الاجتماعي (التي كنت أحصل عليها منذ وفاة والدي عندما كان عمري 15 عاماً)، لكنتَ الآن عاملاً بدلاً من ذهابك إلى المدرسة وتلقي العلم، ولما كنت التحقت بجامعة نيويورك ستيت. وأنا أقول لك: لا تبخل على الناس بما تأخذه لنفسك». وعائلتي كغيرها من المهاجرين الذين سبقونا إلى هنا، وصلوا أميركا وهم لا يحملون معهم غير آمالهم وأحلامهم ونواياهم بممارسة الأعمال الصعبة من أجل التمتع بحياة أفضل. ولاشك أن أمي وأبي عملا بكل جد وتفانٍ، صحيح أننا نجحنا في تحقيق أحلامهما إلى حد كبير، إلا أن إشارة أمي هي اعتراف بأن هذا النجاح لا يمكن أن يُعزى لنا وحدنا. بل إنه نتاج للعقد الاجتماعي الذي أمّن لنا المستوى المناسب من الأمن والمساعدة اللذين كنا بأمسِّ الحاجة إليهما نحن وجيراننا وأصدقاؤنا. وقد تعلمت في بداية حياتي العملية الأفكار ذاتها. ومنذ بداية عملي في «حملة الحقوق الإنسانية للفلسطينيين» مع الناشط الشهير «جيسي جاكسون»، وحتى مشاركتي في عامي 1984 و1988 في الحملتين الانتخابيتين الرئاسيتين، ونضالي ضد التهميش السياسي الذي يمارس ضد الأميركيين العرب، أو محاولاتي الأكثر حداثة للدفاع عن حرياتنا المدنية بعد اعتداءات 11 سبتمبر 2001 الإرهابية وما سببته من حملات شعواء ضد العرب والمسلمين، كان «الحزب الديمقراطي» هو الحليف الأكثر قوة وإخلاصاً لنا. وكما ورد في الكتيّب المرشد لعملية التصويت فإن الكونجرس يبقى حليفنا ما دام يضم أغلبية «ديمقراطية». وقد ربحنا كل المعارك التي خضناها. ولا يمكنني أن أتصور كيف سيكون حال مجتمعي من الأميركيين العرب اليوم لو لم يتلق الدعم من الأميركيين الأفارقة والأميركيين الآسيويين واللاتينيين ورجال الكنائس والليبراليين والتقدميين. وكل هؤلاء قدموا لنا كل أوجه الدعم والمساندة وشكلوا معنا ائتلافات سياسية ندعم من خلالها بعضنا بعضاً. ومن خلالها، نعمل على إحداث التغيير والحفاظ على قيمنا وتصحيح مسار سياسة حكومتنا الخارجية التي يديرها أشخاص جاءوا إليها عن طريق الخطأ. جيمس زغبي رئيس المعهد الأميركي العربي - واشنطن