من الناحية النظرية، والنظرة السطحية، يبدو الاستثمار في دول القارة الأفريقية واعداً لدولة كالإمارات العربية المتحدة التي أصبحت الاستثمارات في الخارج جزءاً من تطلعاتها المستقبلية، لكن المسألة ليست بهذه البساطة. صحيح أنه في السنوات الأخيرة، ونتيجة للشروط التي تم فرضها على المساعدات الخارجية الممنوحة لدول أفريقيا من قبل المانحين الدوليين، ومؤسسات التمويل المالي العالمية، قامت الدول عبر القارة خلال العشرين عاماً الماضية بتحرير التجارة، وموازنة الميزانيات، وتأسيس مراكز استثمارية، وإقامة البورصات، وسن قوانين الخصخصة، وتطبيق عمليات خصخصة واسعة عن طريق بيع المشاريع التي تملكها الدولة إلى مستثمرين محليين وأجانب. وبالإضافة إلى ذلك فإن التغيرات السياسية الجذرية صاحبت العديد من تلك التحولات الاقتصادية، لكن جميع هذه الإجراءات لم تتضح نتائجها بشكل إيجابي يشجع على القول بأن دول القارة الأفريقية هي الساحة الجديدة الواعدة التي يمكن لدولة الإمارات أن تتجه إليها بطمأنينة، لكي تضخ فيها استثمارات ضخمة. الواقع أننا لانستطيع القول بشكل قاطع بأن الاستثمارات هناك لن تكون ناجحة لو توافرت لها البيئة الاستثمارية الملائمة والمناخ الأمني اللازم، فدون شك أن الدول الأفريقية اليوم لديها منطلقات، وأسس اقتصادية وسياسية تختلف عما كانت عليه الأوضاع قبل خمسة وعشرين عاماً مضت. لكن مع هذه التطورات التي تبدو للوهلة الأولى إيجابية تأتي المخاطر الكامنة. إن معظم ثروات أفريقيا منتشرة بشكل غير متيقن منه عبر القارة، وتنحو إلى أن تكون مركزة في الدول الغنية بالموارد ذات الكثافة السكانية المرتفعة. في العديد من الحالات نخبة صغيرة فقط هي التي تستفيد من الاستثمارات المتزايدة والدمج الاقتصادي العالمي، في حين أن نسبة مئوية كبيرة من سكان أفريقيا لازالوا يعيشون تحت مستوى خط الفقر، والعديد من الشباب الصغار ربما لا تتوافر لهم أية مداخل إلى دخل محترم. بالإضافة إلى ذلك رغم أن العديد من المحللين يلاحظون بأن الاقتصادات الأفريقية قاومت، أو على أقل تقدير تكيفت مع التقلبات الحاصلة الآن في الاقتصاد العالمي بطريقة جيدة، إلى درجة أن المؤسسات الاستثمارية المساهمة الخاصة التي تنتشر الآن عبر القارة تواجه إعادة تنظيم وهيكلة أقل من تلك التي تواجهها مثيلاتها في دول العرب. إن القليل معروف حول كيفية ممارسة الشركات الخاصة المساهمة لأعمالها، ومن الذي يستثمر فيها، أو كيف تقوم ببناء سمعتها وملفاتها. وكما أوضحت الأزمة المالية العالمية منذ عام 2008، فإن عائد هذه الأموال معرض بنسبة كبيرة للمخاطر في حالة التراجع الاقتصادي. ولتلك الأسباب، فإن دول أفريقيا حالياً من غير المرجح لها أن تنافس النمور الآسيوية وغيرها من مناطق الاستثمار المتقدمة. بالنسبة لإقدام دولة الإمارات على الاستثمار المكثف في أفريقيا بالتحديد، المسألة تحتاج إلى تأن وروية ودقة، حتى وإن نصحت بيوت دراسات الجدوى والبيوت الاستثمارية التي يستأنس برأيها بأن دول أفريقيا هي جنان استثمارية. وكمواطن إماراتي متخصص في العلوم السياسية، أرى بأن علي أن أطرح التساؤلات الآتية: ماهي طبيعة التغيرات السياسية الحاصلة في دول أفريقيا الآن؟ وأين تحدث تلك التغيرات، أي في أي الدول تحديداً؟ ومن هم المستفيدون من تلك التغيرات؟ وهل يمكن لدول أفريقيا أن تشكل لدولة الإمارات أحد البدائل الحقيقية الآمنة والمستقرة لأماكن أخرى حول هذا العالم الواسع؟ والحقيقة كما أراها هي أن الإجابات المركبة شديدة التعقيد على هذه الأسئلة تقدم لنا أسباباً كثيرة للحذر الشديد منها للتفاؤل. إن من المؤكد أن أفريقيا تتغير، لكن نموها واستثماراتها الخاصة بها ممتد بامتداد مساحتها الشاسعة وتطورها الاجتماعي- الاقتصادي غير مؤكد، وهي سياسياً كثيرة المشاكل والتقلبات، واجتماعياً يغلفها الفساد السياسي والإداري والمالي، واقتصادياً ومالياً خطيرة جداً، وبيئياً وصحياً غير مستقرة.