فوز الناشطة الباكستانية المدافعة عن حقوق الأطفال «ملالا يوسف زاي» ابنة السابعة عشرة والناشط الهندي المدافع عن حقوق الأطفال «كيلاش ساتيارتهي» البالغ ستين عاماً بجائزة نوبل للسلام مناصفة هذا العام، أظهر أن الهند وباكستان قد يكونان خصمين لدودين، ولكنهما يواجهان المشاكل نفسها في الواقع. فمن مشكلة الفقر إلى تعليم الأطفال، يواجه الجاران الجنوب آسيويان، اللذان سبق أن خاضا ثلاث حروب بينهما، التحديات نفسها؛ وربما كان الهدف من وراء قرار لجنة نوبل منح الجائزة لباكستانية وهندي هو تسليط الضوء على المشاكل الحقيقية التي تواجه أغلبية من الأطفال في البلدين، ذلك أن كلاهما بحاجة إلى النهوض بوضع أطفاله، سواء تعلق الأمر بتوفير التعليم لهم أو ضمان عدم استغلالهم في العمل القسري. وقد كان لافتاً بعد الإعلان عن اسمي الفائزين بالجائزة اتصال ساتيارتهي وملالا ببعضهما من أجل تقديم التهاني ومناقشة سبل التقدم معاً إلى الأمام من أجل إحداث فرق في جنوب آسيا. ورغم أنه كانت لكل واحد منهما رحلة مختلفة تماماً، إلا أنه لا شك أن الناشطين كانت لديهما رسالة مهمة ليبلغانها. ملالا نالت اهتمام العالم بعد أن تلقت رصاصة في الرأس أطلقتها عليها «طالبان» باكستان بسبب دفاعها عن حقوق الفتيات في التعلم. وعندما أُرسلت إلى المملكة المتحدة لتلقي العلاج، تحولت الفتاة المسلمة بنت السابعة عشرة إلى مدافعة قوية عن تعليم الفتيات، حيث جلبت الكثير من الاهتمام إلى قضية تعليم الفتيات وحقوق النساء في وجه المواقف الرجعية. وبالمقابل، أسس كايلاش (البالغ 60 عاماً)، وهو مهندس تحول إلى ناشط اجتماعي، منظمة «أنقذوا الطفولة» التي أنقذت أكثر من 80 ألف طفل، أغلبيتهم بين سن الخامسة والعاشرة من السخرة أو العمل القسري. وقد ذاع صيت «ساتيارتهي» كثيراً بعد فوزه بجائزة نوبل للسلام، ولكنه في الحقيقة لم يكن معروفاً جداً حتى داخل الهند؛ حيث كان ومنظمته يعملان في صمت على مر السنوات ولم يكونا معروفين سوى بين الصحفيين والنشطاء. والأكيد أن مشكلة العمل القسري في الهند تظل مشكلة جدية. وإذا كان الوضع قد تحسن كثيراً بفضل ازدياد الوعي، وتحسن إنفاذ القانون، وبعض العمل الجيد الذي قام به نشطاء يدافعون عن حقوق الأطفال وتدخل القضاء، فإنه مازال أمام الهند طريق طويل لتقطعه في هذا الباب؛ حيث يرغَم الأطفال منذ سن الخامسة أو السادسة أحياناً على مزاولة أعمال خطرة رغم وجود قوانين تحظر ذلك؛ إذ يعملون في المناجم والمزارع والمصانع كخدم أو لتقديم الطعام في مطاعم صغيرة على جانب الطريق تصنف هي أيضاً ضمن خانة الأعمال الخطرة. والواقع أن ظروف الأطفال في باكستان مماثلة إلى حد كبير لما هو عليه الحال في الجارة الهند. فوفق بعض التقديرات، هناك 25 مليون طفل باكستاني لا يذهبون إلى المدرسة، 12 مليوناً منهم يقومون بعمل قسري حيث لا يُعتبر التعليم من الأولويات. غير أنه في الهند، التي لم يكن ملايين الأطفال فيها يذهبون إلى المدرسة، أدى قانون «الحق في التعليم» إضافة إلى توزيع وجبات منتصف النهار إلى ارتفاع دراماتيكي في تسجيل الأطفال في المدارس. إلا أنه مازال هناك الكثير الذي ينبغي القيام به من أجل أطفال البلدين. وفي باكستان، سلطت ملالا يوسف زاي الضوء على حياة الأطفال في المناطق الخاضعة لسيطرة «طالبان»، حيث أُرغمت المدارس الخاصة على الإغلاق لحرمان الفتيات من التعليم. غير أنه إذا كانت جائزة نوبل للسلام تلقي الضوء على التحديات التي يواجهها كلا البلدين بخصوص تحسين حقوق الأطفال، فإنه لم يكن لها تأثير كبير على العلاقات بين البلدين في نهاية المطاف. ذلك أنه حتى في الوقت الذي يتقاسم فيه هندي وباكستانية جائزة السلام، تتواصل المواجهة بين الهند وباكستان على حدودهما؛ حيث يتهم كل طرف الآخر بإطلاق النار والقصف عبر الحدود؛ وتُعتبر هذه أسوأ حلقة متواصلة من مسلسل التوتر الحدودي بين البلدين منذ توقيعهما على وقف إطلاق النار في 2003. إن جائزة نوبل فرصة بالنسبة للبلدين للتركيز ربما على شيء آخر غير التوترات. وقد وجه كلا الفائزين بجائزة نوبل دعوة لرئيسي وزراء البلدين من أجل حضور حفل تسليم الجوائز في أوسلو. ولئن لم يصدر أي رد على هذه الدعوة في كلا البلدين حتى الآن، فربما تمثل تلك فرصة للقيام بمحاولة جديدة من أجل تحسين العلاقات.