يعيش العالم اليوم على وقع تفشٍّ خطير لوباء إيبولا، وفي الوقت نفسه انتشار مقلق لآفة الإرهاب، والسؤال: ماذا يقع لو التقى التهديدان معاً وتضافرا ليمثلا خطراً ماحقاً؟ ففي يونيو 2001 وقبل أشهر قليلة على هجمات 11 سبتمبر، اجتمع خبراء في الأمن القومي الأميركي للتدريب على سيناريو مخيف أطلقوا عليه «الشتاء المظلم»، وفيه تمت محاكاة هجوم بيولوجي على الولايات المتحدة يقوم خلاله الإرهابيون بإطلاق فيروس الجدري في ثلاثة مراكز تجارية كبرى، وبحسب التدريب، سيصاب خلال الأيام الأولى من الهجوم ألف شخص، 300 منهم سيلقون حتفهم، وستعرف المستشفيات توافد حالات عديدة ستفوق قدرتها على التعامل معها، وسرعان ما ستدب الفوضى وستستبد حالة ارتباك كبيرة بالجميع يكون من نتائجها تعرض مراكز التطعيم الخاصة للهجوم من قبل الجمهور الغاضب. وفي هذه الأثناء، ولمواجهة الفوضى، ستستدعي الولايات المتضررة وحدات حرس الحدود لفرض الأمن، فيما سيعمل حاكم ولاية أوكلاهوما التي تعرضت للهجوم على إقفال المدارس وإلغاء التجمعات العامة، ولأن سائقي الشاحنات سيرفضون التوجه إلى الولاية، فإنها ستعاني نقصاً ذريعاً في المواد الغذائية وتنطلق حمى الشراء، وبعد مرور 13 يوماً على الهجوم ستتضاعف، وفقاً للمحاكاة، الإصابات لتصل إلى 16 ألفاً وتمتد إلى 25 ولاية، فيما سيكون قد توفي أكثر من ألف شخص. والنتيجة نضوب مخزون اللقاح المتوافر واتخاذ الدول المجاورة إجراءات مشددة كإغلاق المكسيك وكندا لحدودهما في وجه الآتين من الولايات المتحدة، وهذا الأمر سيؤثر حتماً على الاقتصاد العالمي بعد توقف التجارة وتهاوي أسواق الأسهم، ولن تسمح أي دولة بتسيير رحلات جوية إلى المدن الأميركية. وداخلياً سيكون الوضع قد بدأ في الانفلات التام مع خروج الناس إلى الشارع، ونشوب فوضى عارمة من العنف والنهب التي تعم البلاد بأكملها. وما أن نصير في اليوم 25 بعد الهجوم البيولوجي حتى يكون عدد الإصابات قد قفز إلى 30 ألفاً مع 10 آلاف من الوفيات، والسؤال اليوم: ماذا لو تكرر السيناريو القاتم مع إيبولا؟ قبل الإجابة لابد أن ندرك أولاً أنه خلافاً للجدري الذي يصعب انتقاله يمكن لإيبولا الانتقال بسهولة من منطقته في غرب أفريقيا إنْ قرر الإرهابيون ذلك، وكما يقول الطبيب «سكوت جوتليب» من معهد «أميركان إنتربرايز» يمثل إيبولا «أحد اختراعات الطبيعة الأكثر فتكاً باعتباره السلاح البيولوجي الأمثل طالما أبدى الإرهابي استعداداً لنقله»، فالفيروس له مدة كمون في جسم الإنسان تصل إلى 21 يوماً، وهو وقت أكثر من كافٍ ليحمله الإرهابي ويعدي به الآخرين. وفي السيناريو الأسوأ، يقوم انتحاريون مصابون بإيبولا بتفجير أنفسهم في مراكز تجارية مكتظة بالناس، لينتشر الفيروس ويصيب العشرات من خلال الإفرازات الجسدية، بل ويمكن الاستغناء عن تقنية الانتحار والاكتفاء بطرق أخرى أقل دراماتيكية كأن يلوث الإرهابيون بعينات من الفيروس مقابض الأبواب والمقاعد والطاولات، ما سيؤدي إلى انتقال العدوى حتى قبل أن ينتبه إلى ذلك المسؤولون. وإذا كان توماس إيريك دونكان القادم من ليبيريا إلى مطار دالاس بتكساس تمكن من الوصول دون رصده من قبل السلطات، فما الذي سيمنع الإرهابيين من دخول التراب الأميركي بالطريقة نفسها؟ ولئن كان نظامنا الصحي عاجزاً عن التعامل مع حالة واحدة مصابة انتهت بنقل العدوى إلى ممرضة فكيف التعامل مع العشرات، أو المئات من الإصابات؟ وقد رأينا فعلاً كيف أُغلقت المدارس في دالاس ومُنعت سفينة أميركية من دخول المكسيك، فكيف ستكون الحال لو عمت الإصابة وانتشر المرض؟ وأكثر من ذلك أنه في حالة الجدري تتوافر الولايات المتحدة على أكثر من 12 مليون جرعة لقاح، وهو ما لا يتوافر بالنسبة لإيبولا، وحتى لو تمكن العلماء من اكتشاف لقاح فعال يقضي على المرض سيستغرق الأمر وقتاً طويلاً قبل إنتاج الكمية الكافية لإنقاذ الأرواح واستئصال الفيروس. وباختصار لا يمكن الركون إلى تطمينات السياسيين بأن إيبولا لن يصل إلى شواطئنا الأميركية، لأننا رأينا كيف وصل الرجل المصاب، ثم لا يمكن القول أبداً إننا مهيأون للتعامل معه بعد أن أصيبت ممرضة في أحد المستشفيات، فإذا ما قرر أحد الإرهابيين تحويل إيبولا إلى سلاح بيولوجي فسنكون فعلاً أمام «شتاء مظلم». ------ مارك ثيسن كاتب ومحلل سياسي أميركي ----- ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»