بدأ بعض المحللين الإسرائيليين التعبير عن ضيقهم من العادة التي أصبحت جارية في الحياة الإسرائيلية في مناسبة ذكرى حرب أكتوبر كل عام. ذلك أن الجيش الإسرائيلي يفرج في الذكرى السنوية عن مجموعة جديدة من وثائق الحرب التي كانت محفوظة طي الكتمان كل هذه السنوات التي بلغت واحداً وأربعين عاماً. طبعاً تتلقف الصحف وقنوات التلفزيون هذه الوثائق وتنشغل بعرض مضمونها وتحليله.. أيضاً تهتم وسائل الإعلام الإسرائيلية باستضافة القادة والضباط الذين شاركوا في الحرب وتجري معهم لقاءات. إن الحصيلة العامة لهذه العادة السنوية تتلخص في استذكار الإسرائيليين كبار السن للهزيمة وما لحق بمخابراتهم وجيشهم من ضربات وأيضاً إطلاع الأجيال الجديدة على جزء من التاريخ لم يعايشوه. إن ضيق بعض المحللين ينصب على إحياء الذكرى الأليمة من ناحية وعلى حملات الكراهية والهجوم المتبادلة بين كبار الضباط، حيث يحاول كل منهم إبراء ذمته من المسؤولية بإلقاء تهمة التقصير على الآخرين. إنني أرجو من الإعلام العربي في جميع أقطار أمتنا أن يعطي اهتماماً لهذه المناسبة رغم الهموم الجديدة التي نعيشها من فوضى وإرهاب وحروب داخلية. نحن بحاجة إلى تنبيه أجيالنا الجديدة إلى معانٍ رئيسة تجسدها هذه الحرب؛ مثل قدرة أقطار الأمة العربية على الالتحام في مواجهة عدو واحد، ومثل القدرات الفائقة التي يتمتع بها المقاتل العربي إذا شحذنا عزيمته ووفّرنا له التدريب الصحيح والسلاح المتقدم. دعونا في هذا السياق نطالع إحدى الوثائق الجديدة التي أفرج عنها الجيش الإسرائيلي في أكتوبر الحالي. إنها وثيقة تقدم لنا الشهادة السرية التي أدلى بها الضابط «يوسف زعيرا»، وهو ابن عم الجنرال «إيلي زعيرا»، رئيس المخابرات العسكرية أثناء حرب 1973. الضابط يوسف كان يشغل آنذاك منصب قائد وحدة جمع المعلومات وفك الشفرات بالمخابرات العسكرية. من أهم الأجزاء في شهادته ذلك الجزء الذي يتحدث فيه عن المعلومات التي وصلته عن تحركات القوات المصرية من وحدات الاستطلاع الميدانية، وهي معلومات أقلقته وجعلته يتصور أن ما يقوم به المصريون في الأيام السابقة على السادس من أكتوبر، وهو يوم اندلاع الحرب، لا يمكن أن يكون مجرد مناورة للخريف. كان ذلك هو التفسير الشائع في دوائر المخابرات استناداً إلى مفهوم رشحته خطة الخداع الاستراتيجي العربية، وهو أن العرب غير قادرين على شن أي هجوم وأنهم يخشون من الهزيمة المحققة إذا ما أقدموا على أي عمل ضد إسرائيل. ويشير يوسف زعيرا إلى معلومات مثل قيام المصريين بنقل كميات هائلة من الذخيرة الحية إلى الخطوط الأمامية، وهو أمر لم يحدث في مناوراتهم السابقة، ومثل قيامهم بتحريك قوات البحرية المخصصة للعمليات الخاصة من ميناء الإسكندرية في اتجاه فلسطين. لقد عرض هذه المعلومات على رئيس شعبة الأبحاث والتقديرات في المخابرات العسكرية معبراً عن مخاوفه، غير أن رئيس الشعبة «أريه شيلو» استخف بالأمر وأجاب: ربما كان الأمر أن المصريين يقومون بمناورة للتدريب على خطة حقيقية لهجوم. واستند رئيس الشعبة إلى المفهوم الراسخ، وعندما لجأ الضابط يوسف إلى رئيس المخابرات، ابن عمه، وجد المفهوم نفسه راسخاً عنده، وخلاصته أن العرب غير قادرين ولا يجرؤون على الهجوم.