في يوم الأحد الماضي، تحدثت سوزان رايس مستشارة الرئيس أوباما للأمن القومي على قناة «إن بي سي» عن الاستراتيجية التي تتبعها الإدارة الأميركية لمحاربة «داعش»، التنظيم الإرهابي الذي يحتل الآن مناطق في سوريا والعراق، فسُئلت في البداية عما إنْ كانت ثمة أصلاً استراتيجية، لأن هنالك العديد من المتشككين في ذلك. فأجابت المسؤولة الأميركية بنبرة حازمة بأن ثمة فعلاً استراتيجية هي التي أعلن عنها أوباما، وتتمثل في ردع تنظيم «داعش» ثم «القضاء عليه». والحال أن القضاء على «داعش» ليس استراتيجية وإنما هو هدف. أما الاستراتيجية، فهي ما سيمكّن التحالف الدولي الجديد الذي شكلته الولايات المتحدة من بلوغ الأهداف التي سطرها. ووقد وصفت رايس هذه الاستراتيجية بأنها تتمثل في تشكيل تحالف (وهو ما حققته منذ بعض الوقت الولايات المتحدة التي نصبت نفسها زعيمة له، وإن لم يتضح بعد ما هي المهام التي سيقوم بها زعيم التحالف عدا تنفيذ ضربات جوية ضد «داعش»). غير أن ما شددت عليه هو ما لن يقوم به التحالف، وهو إرسال قوات برية من أجل خوض القتال. وهذا غير صحيح تماماً على اعتبار أنه كان ثمة نشر لعدد من المدربين والمستشارين الأميركيين، وأن طائرات هليكوبتر هجومية أميركية استُعملت في بعض العمليات، على ما أفادت بذلك بعض التقارير الإخبارية. وأكدت رايس على أن العراق هو الذي يجب أن يخوض الحرب البرية، حيث قالت: «يجب أن يكون العراقيون... فهذه حربهم، وهذه أراضيهم». وأضافت أنه حتى في الماضي «عندما كان لدينا أكثر من 100 ألف جندي أميركي في العراق، كان مناط الأمر هو ما إنْ كان العراقيون مستعدين وقادرين على القتال من أجل بلدهم». والواقع أن هذه نقطة حساسة، لأنه عندما تصادم الجيش العراقي في البداية مع «داعش» قبل بضعة أسابيع، انهار على نحو مثير وكان قادته من بين أولئك الذين فروا من الميدان. وشرحت مستشارة الرئيس أن الجيش العراقي «ضعف» منذ أن انسحبت القوات الأميركية من البلاد، عقب مرور من الزمن قضته في تدريب الجيش، ومع أموال طائلة أنفقتها في سبيل إنشائه، ولكنه خُرِّب لأن رئيس الوزراء السابق نوري المالكي كان شيعياً «طائفياً»، وحوّل الجيش إلى أداة من أدوات قوته السياسية، وفشل في توفير القيادة القادرة على إلهام الجنود ورفع معنوياتهم. والآن، تقول رايس، هناك حكومة عراقية جديدة تأمل إدارة أوباما أن تكون قادرة على إعادة بناء القوات المسلحة العراقية حتى تستطيع محاربة «داعش» بمفردها والانتصار. وقالت في هذا الصدد: «إن الأمر لن يكون سريعاً، ولا سهلاً. ولكن هذه هي الطريقة الوحيدة لاستعادة الأراضي». وهذا سيستغرق ثلاث سنوات، حسب مصادر البيت الأبيض. بيد أن المرء يشعر بالحرج لأنها كانت تقول كل ذلك للجمهور الأميركي والجمهور الدولي على رغم خبر قادم من العراق أذيع على قناة «إن بي سي» قبل وقت قصير على برنامج «ميت ذا برس» (واجه الصحافة) ضمن تقرير من بلاد الرافدين لريتشارد إنجل مراسل «إن بي سي»، الذي قال: «إن الجيش العراقي (اليوم) ليس أفضل حالاً مما كان عليه عندما انهار»، مضيفا أنه «من غير الواقعي كليّاً» الاعتقاد بأن الجيش والحكومة العراقية هما اليوم أفضل حالاً لمواجهة هجوم من «داعش» مقارنة مع الأمس. والواقع أن الفكرة المتمثلة في أن العراق «سيقضي» على «داعش» بأمر من الأميركيين وهْم كبير، وربما كذلك الحال أيضاً بالنسبة للفكرة القائلة إن التحالف الذي شُكل للتو قادر على القيام بذلك بسرعة. كما أن الخطة التي تحدث عنها أوباما مؤخراً غير مقنعة أيضاً، وعلى إدارته أن تدرك ذلك. ولا شك أن البنتاجون يدرك هذا، فالتعليقات والتقييمات المسربة من قبل ضباط متقاعدين تشير جميعها إلى أنه لا شيء ذا بال سيتحقق إذا لم تذهب الولايات المتحدة إلى هناك للقيام بالمهمة. ولكن، ما هي الخطة؟ حسناً، أولاً، نقوم مع الآخرين بقصف «داعش». وبعد ذلك، يقوم شركاؤنا في التحالف بحمل مسلحي «داعش» على التراجع (في الوقت الراهن، يقوم التنظيم بحمل القوات الكردية الصديقة على التراجع على الحدود التركية والسيطرة على مزيد من الأراضي العراقية والسورية). وبعد ذلك، نشارك نحن وقوات التحالف في «القضاء» على «داعش»، حسب خطة أوباما. ألا تبدو هذه خطة جيدة؟ أليس كذلك؟ ليس تماماً. الواقع أن هناك ثلاثة أشياء يمكن أن تحدث. أولاً، الولايات المتحدة سترسل قوات مشابهة لتلك التي نشرتها في العراق سابقاً، ولكن هذا قد لا يحل أي شيء في المشكلة. ثانياً، سيرفض أوباما على نحو مفهوم ومعقول الدخولَ في هذه الحرب الثالثة لفرض إرادة أميركا على الشرق الأوسط، وهو الذي سبق له أن قال إن هذه حرب العرب ليربحوها أو يخسروها. شخصياً، أعتقد أنه يتعين على الولايات المتحدة أن تدرك أن ثمة أزمة كبيرة في الشرق الأوسط، أزمة لا يمكن أن يحلها إلا المسلمون أنفسهم. فالولايات المتحدة تتحمل مسؤولية كبيرة عن هذه الأزمة بسبب تدخلاتها (وتدخلات إسرائيل والأوروبيين) السياسية والعسكرية منذ 1948، ولكنني أعتقد أنه ليس ثمة شيء يمكن أن يقوم به الغرب ويستطيع حل هذه الأزمة في جيلنا. ولذلك، يجدر بنا أن نراقب هذه المأساة بمشاعر ندم عما تسببنا فيه بسبب عجرفتنا أحياناً، وعن غير قصد أحياناً أخرى. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «تريبيون ميديا سرفيس»