التقرير الذي بثته شبكة الـ CNN الأسبوع الماضي كان صادماً ومؤلماً في الوقت ذاته! فلقد كشفت إحدى النساء السوريات (25 عاماً واسمها الحركي خديجة) عن تجربتها مع «داعش»، وكيف أنها تعرفت إلى شاب تونسي عبر شبكة الإنترنت وأقنعها بالزواج بعد أن وثقت به حتى أغراها بالانضمام إلى «داعش»؛ كاشفاً لها أن التنظيم ليس في الحقيقة كما يتداول بين الناس، وأنه ليس منظمة إرهابية، تقول: أخبرني هذا الرجل بأن التنظيم يطبق المبادئ الأساسية للإسلام، أما ونحن في حالة حرب الآن، للسيطرة على البلاد (أي سوريا)، فلا بد وأن نمارس العنف. أقنعت (خديجة) أهلها بالحضور إلى مدينة (الرقة) بشرق سوريا كي تسجل أخوتها في المدرسة، لكنها وجدت نفسها منضوية في لواء (الخنساء) التابع لـ «داعش». ومن هنالك بدأت مأساتها، حيث تعرضت للعديد من الممارسات الوحشية، ووصفت حالتها بأنها تتجه من فوضى إلى فوضى أكبر منها، حيث عليها مواجهة عناصر «الجيش السوري الحر»، والنظام وبراميله المتفجرة، الجرحى، العيادات الطبية، الدم. والمشكلة تقول: وجدت نفسي أهرب من واقع لواقع أكثر قبحاً، ولقد كانت العناصر المسلحة تمارس العنف عليّ جسدياً عبر الاغتصاب، كما شاهدت قطع رأس إنسان بأم عيني، لقد سكتُ كثيراً على هذه الممارسات حتى قررت أن أهرب إلى تركيا. بصراحة لا يمكنك وأنت تشاهد هذه المقابلة وتسمع تلك المعلومات إلا أن تحمد الله بأنك تعيش في أمان، وأن أمك وأختك وابنتك يتمتعن بالأمان والصحة والعيش الرغيد. كما لا يمكنك إلا أن تتأسى على حال هذه الأمة التي أعزَّ اللهُ المرأة فيها بالإسلام، وجعلها سكناً للرجل وشريكة في الحياة، بينما تمارس ضدها كل هذه الممارسات تحت اسم الإسلام أو الجهاد أو محاربة الكفر. تلك السيدة السورية – ذات الـ 25 عاماً وخريجة دبلوم تربية وتعمل بالتدريس، ولها أحلام واسعة بأن تتزوج وتنشئ بيتاً سعيداً وتربي أطفالاً ناجحين- لا بد وأن تنعم بحرية اللباس الذي تختاره، لا أن يفرض عليها لباساً معيناً لا تحبه، كما أنه من حقها أن تأكل مالذَّ لها من طعام، وترى المناظر السارة في بلدها، وفي أية بقعة من العالم، لا أن تعيش بين رائحة الدم والغبار والاضطهاد الذي يمارس عليها كل لحظة. إن ثقافة العنف التي اجتاحت العالم العربي جعلت من هذا العالم مُصدِّراً للماركات العالمية لصناعة الموت، وإلا كيف تبدو الصورة عندما تمتشق المرأة (كلاشينكوف) وتمشي مشية الرجال، وتتخلص من كل عطورها ومكياجها وأنوثتها، وفوق ذلك، ولأنها من أعضاء التنظيم، فإنه يحق لأي عنصر ممارسة الجنس القهري ضدها دون رغبتها، وهذا بحق ذاته زنا ولابد من إقامة الحد على صاحبه!.(على فكرة قامت شركة عالمية بإطلاق تصاميم نسائية مقتبسة من ملابس مقاتلات الـ YPG و انتشر الخبر مع الصورة عبر فيسبوك الأسبوع الماضي)!. هذه الماركة العجيبة للتفكير القروسطي أخذ العالم يدمغها على ظهر الإنسان المسلم والعربي! وكما ظهر في أفلام هوليوود – في الستينيات من القرن الماضي – الرجل العربي وهو يجر وراءه أربع نساء يرتدين العباءات والبراقع في شوارع لندن – فإن هذه الأيام تظهر المرأة العربية والمسلمة في صورة أبشع وأكثر إدانة، وهي مسلوبة الإرادة والطهارة والحرية، ومتخلية عن دورها الحضاري، كي تحمل السلاح الثقيل، وتفترش الأرض نوماً، وتشهد عمليات الذبح وقطع الرؤوس، بعد أن تعرضت لعمليات غسيل مخ، تجعلها تقلب كل الصور الجميلة لأسس حياة المرأة، وتكفر بكل حديث عن كرامتها ونقائها، وتكون لعبة بيد عصابات الموت. لم تُخلق المرأة لهكذا دور! ولم توجد قوانين تُخضع المرأة لهذه الأشكال من التبعية التراثية، وتبعدها عن دورها الإنساني في تربية الأبناء وحفظ بيوت الرجال، وأيضاً دورها الاجتماعي في العمل الشريف والمشاركة في عمليات التنمية في بلدها. المرأة العربية تحتاج إلى مساندة، خصوصاً في مناطق امتهان كرامتها مثل العراق وسوريا والصومال ومخيمات اللاجئين، وأيضاً في الشتات، حيث تُضطر بعض النساء إلى بيع أجسادهن لمواجهة متطلبات الحياة والصرف على عائلاتهن. وحسب تقرير نشرته (اليونيسيف) في نيويورك في سبتمبر الماضي، فإن واحدة من كل 10 فتيات في العالم (ما يعادل 120 مليون فتاة تحت سن العشرين) كانت ضحية لعملية عنف جسدي، وفي 13 دولة من أصل 18 دولة أفريقية تصل نسبة البنات المُغتصبات إلى أكثر من 10%. (وكالة أخبار المرأة – 12/10/2014). شاهدتُ في إسطنبول صبيات لا تتجاوز أعمارهن 6 أعوام وهُنّ يتسولن عند إشارات المرور بثياب رثة وشعور نتنة وأفواه جائعة.. لماذا تعيش تينك الصبية في الشتات بهذه الصورة المريعة؟ والأجدى أن يكنَّ في المدارس ويلبسن الملابس النظيفة ويجدن الحضن الدافئ عند والديهن! إن قيام الحركات والتنظيمات الإسلامية المتطرفة في عالمنا العربي أسهم مساهمة كبيرة في اضطهاد المرأة، وإخراجها عن دورها الحضاري والإنساني، حيث سوغت تلك الحركات والتنظيمات عمليات اضطهاد المرأة على أنه ممارسة إسلامية، تماماً كما حصل في «ثغور الجهاد» في أفغانستان والشيشان. والقصة معروفة. لا أعرف لماذا لا تذهب تلك التنظيمات والحركات إلى الصومال مثلاً أو بورما، كي تدافع عن الإسلام وتحارب الكفار؟ وتمارس طقوسها الاجتماعية؟ هل لأن نساء تلك البلدان (وهن مسلمات) لا ترقن لهم؟ لا بد من قرار دولي، ولا بد للجنة (السيداو) من تحمل مسؤولياتها في وقف الهجمة الضارية والحملة «الغابية» ضد المرأة في مناطق الحروب في سوريا والعراق، وأيضاً داخل مخيمات الإيواء التي تنتج فيها ممارسات مأساوية. والتخلص من العصابات والمليشيات المتطرفة التي تنشر الرعب في هذا المنطقة من العالم دون وجه حق. ولا بد أن تشرق شمسٌ جديدة تتمتع المرأة فيها بحريتها كبقية نساء العالم.