سئلت في الأسبوع الماضي أليسون لونديرجان جريمز، مرشحة الحزب الديمقراطي لمنصب نائبة مجلس الشيوخ عن ولاية كينتاكي، في اجتماع عما إذا كانت قد صوتت لمصلحة أوباما في الانتخابات الرئاسية لعامي 2008 و2012، فتلعثمت المرشحة قليلاً قبل أن تجيب بنعم. هذا التردد الواضح في إجابة المرشحة عن سؤال يفترض أنه واضح وبسيط أثار غضب البعض، بمن فيهم تشاك تود من قناة «إن بي سي» الذي تساءل ساخراً: «هل ستجيب المرشحة أبداً على سؤال بهذه البساطة؟ أعتقد أنها أقصت نفسها بهذا الجواب». والحقيقة أن جريمز لا شك أخطأت بالتردد في الجواب، لكن ما يكشفه اللقاء الإعلامي بالمرشحة والتعليقات التالية عليه، ربما يتعلق بالقواعد الضمنية التي يحددها الإعلام التي بموجبها يتم تقرير ما إذا كان خطأً ما مجرد هفوة بسيطة، أم يرقى إلى الخطيئة التي تقضي على المشوار السياسي للمرشح؟ والمشكلة هنا أن الصحفيين يحددون، على الأرجح دون وعي منهم، ما يجب أن يحظى بمناقشة مستفيضة وتعليق مسهب، وما يجب القفز عليه والتغاضي عنه. واللافت أن مرشحي الحزب الجمهوري غالباً ما يفلتون بأخطاء كبرى يقترفونها دون اهتمام كافٍ من وسائل الإعلام. فمثلاً عندما داعب جوني إيرنست، المرشح الجمهوري لمجلس الشيوخ عن ولاية آيوا، فكرة المؤامرة التي يعتقد بمقتضاها أن الحكومة الأميركية تواطأت مع الأمم المتحدة لإرغام سكان الولاية على مغادرة منازلهم والاستقرار في المراكز الحضرية الكبرى، لم يرَ المعلقون في ذلك أي مشكلة، وما اعتقدوا أن هذا الهراء كفيل بإقصائه من السباق الانتخابي. وبالطريقة المتسامحة واللامبالية نفسها، لم يجد المراقبون أي غضاضة في تصريح توم كوتون، المرشح الجمهوري عن ولاية أركنسو، الذي قال فيه إن «داعش» تعمل مع عصابات تهريب المخدرات المكسيكية لاختراق أميركا عبر حدودها الجنوبية. لكن لماذا يفلت مرشحون جمهوريون من أمثال كوتون وإيرنست من هفواتهم دون إثارة ضجة، فيما يتعرض آخرون مثل المرشحة جريمز للانتقاد اللاذع والمتابعة الإعلامية اللصيقة؟ الحقيقة أن المعيار المتبع في تحديد الخطأ من غيره ليس في ما يحمله التصريح بحد ذاته، بل في تداعياته السياسية ضمن بيئة معينة، وهو ما يجعل من تردد جريمز في الإجابة عن السؤال يحمل كلفة سياسية؛ لأن الولاية التي تتحدث باسمها (كينتاكي) يحظى فيها أوباما بنسبة شعبية متدنية للغاية تجعل كل السياسيين المرتبطين به في حرج حقيقي. وبطبيعة الحال، إذا قال الصحفيون عن مرشح ما إنه أقصى نفسه بتصريح خاطئ، فالأمر ينتهي فعلاً على هذا النحو فيما يشبه النبوءة التي تحقق نفسها. فإذا قرروا أن هفوة ما، مهما صغر شأنها، ستكون لها عواقب سياسية وخيمة، عادة ما يخضعونها لمتابعة إعلامية مكثفة إلى أن تكون لها تداعيات سياسية مدمرة. والمفارقة أن الأخطاء والهفوات الجسيمة الصادرة عن سياسيين جمهوريين، لا يلتفت إليها أحد فينجو مرتكبوها، بحيث ينظر الإعلام إلى هفوات بعضهم على أنها أمر عادي فيتم التطبيع معها، رغم طابعها الغريب والمضحك أحياناً، ليبدو الأمر وكأن وسائل الإعلام الأميركية تأقلمت مع جنوح الحزب الجمهوري نحو اليمين، متعاملة مع تصريحات سياسييه، حتى الأكثر عبثية منها، كأمر مألوف في حزب وافق الجميع على يمينيته. ------ بول وولدمان كاتب أميركي ------ ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»