كل الرؤساء الأميركيين خيبوا الآمال. وتخيب الآمال مع تولي المنصب بسبب توقعات الأميركيين غير المعقولة من رؤسائهم، والتضارب والانفصال بين ما يقال في الحملات الانتخابية التي تمثل الوعد بما يستطيعه الرئيس فعله وواقع الحكم الذي يمثل تبرير عدم قدرته على تحقيق ذلك الوعد. والرئيس أوباما ليس هو أول رئيس يخفق في تحقيق التوقعات، ولن يكون أيضاً الأخير. ولكنه يجسد شيئاً آخر أيضاً هو مخاطر ومشاق بلوغ عظمة الرئاسة دون أزمة ودون شخصية ودون القدرة على تحقيقها. وأمام نحو 1,8 مليون شخص قال الرئيس الجديد في عام 2009 في خطبته الافتتاحية «إن البعض يشككون في نطاق طموحاتنا ويشيرون إلى أن نظامنا لا يمكن أن يتحمل الكثير جداً من الخطط الكبيرة.. وما لا يفهمه المتشائمون هو أن الأرض تحتنا تغيرت، وأن الجدل السياسي العتيق الذي استهلكنا لفترة طويلة لم يعد قائماً». ومن التعهد بتغيير يحرك الأرض، تقلصت التوقعات المنتظرة من أوباما إلى مجرد المهارة في الحديث. وبعد أن جعل الناس تقارنه في البداية بأبراهام لينكولن وفرانكلين روزفلت وجون كينيدي باعتباره يمثلهم جميعاً في شخص واحد انزلق أوباما بشدة ليجعل بعض الصحفيين يتساءلون عما إذا كان من الأنسب أن يُقارن حتى بجيمي كارتر! وقدم كثير من التفسيرات، ومنها أن الجمهوريين غير راغبين في العمل معه، وأن الرئيس لا يتواصل معهم سواء كان السبب أن الحافز صغير جداً أو كبير جداً. وإصلاح الرعاية الصحية يمثل إنجازاً تاريخياً في نظر البعض أو يمثل تجاوزاً مروعاً في رأي آخرين. والرئيس حاول أن يكون لا حزبياً إلى حد كبير، أو متجاوزاً وعابراً للحزبية، أو حتى مفتقراً إلى الحزبية. ويحتاج تقييم رئاسة أوباما إلى الوقت لمقارنته برؤساء آخرين. صحيح أن البعض مثل بول كروجمان يرى أن أوباما «واحد من أهم وأنجح الرؤساء في تاريخ أميركا» بالفعل. ولكن المؤرخين على أي حال، والجمهور، هم من سيقيمون في النهاية أوباما والعظمة التي سعى إليها والمتوقعة منه، والتي لن تكون من نصيبه على الأرجح. ومن المؤكد أن أوباما ليس رئيساً فاشلاً ولكن لن يُوصف أيضاً على الأرجح بأنه رئيس عظيم أو متميز. ومن المؤكد أن أوباما ورث مجموعة من الظروف الصعبة والفريدة كما حدث لجميع الرؤساء، وظروفه كانت أشد هولاً من معظمهم. ولكن لا الأزمات التي واجهها ولا النظام الذي عمل فيه كان سببهما مشكلات وتجارب أسلافه. وبعض التحديات لفترة ما بعد فرانكلين روزفلت ابتلي بها أوباما أيضاً وتتمثل في المشكلات العصية على الحل والاستقطاب السياسي الشديد وعدم الثقة في الحكومة ووسائل إعلام إخبارية تطفلية وموجودة في كل مكان. ومصير هذا الرئيس هو ذاته مصير عدد كبير من أسلافة القريبين -فالمنصب كبير جداً والتوقعات عالية كذلك. والعظمة التي لا تُنكر لرؤساء مثل جورج واشنطن ولينكولن وفرانكلين روزفلت تتطلب ثلاثة عناصر وهي أزمة تهدد بشدة البلاد لفترة ممتدة من الزمن مما يهيئ الساحة لتغيير تاريخي، وقدرة على الخروج من هذه الأزمة ببعض التغيرات التحولية طويلة الأمد بذكاء سياسي وقدرة على الإقناع وإبرام الصفقات في الكونجرس وتوافر الشخصية المناسبة للقيادة الفاعلة. وأزمة أوباما تمثل كساداً معقداً سببته أزمة قطاعي المال والإسكان. وكانت حدة الأزمة أصعب من أن يستطيع أوباما التغلب عليها بسهولة أو بسرعة، ولكن صعوبتها لم تكن أيضاً كارثية بحيث تمكنه من ترويض الحياة السياسية في واشنطن كما فعل لينكولن وفرانكلين رزفلت. وقد أشار الرئيس تيودور روزفلت ذات مرة إلى أن لينكون لو عاش في وقت السلم لما عرف اسمه أحد. وفيما يتعلق بقدرة أوباما على الحكم فقد أخطأ في قراءة اللحظة التي واجهته وتشبه ما واجه فرانكلين روزفلت وليندون جونسون. فقد أراد معظم الجمهور طريقة للخروج من كساد مروع وحروب طويلة ومكلفة في أفغانستان والعراق وكان الأميركيون يأملون أيضاً في تجديد الثقة في رئيسهم والإيمان بكفاءة حكومتهم. ولكن الجمهور لم يسعً إلى إعادة صياغة للعقد الاجتماعي. ولم يتمتع أوباما بهيمنة حزبية توفرها الأغلبية في الكونجرس كتلك التي تمتع بها فرانكلين روزفلت وليندون جونسون، ولا بالسياسات الحزبية الجيدة مع الجمهوريين لتحقيقها. وقانون الرعاية الصحية الميسورة لعام 2010، وهو إنجازه التشريعي الرئيسي، سيكون من تركة أوباما وفي السنوات المقبلة قد يعتبر انتصاراً أخلاقياً واقتصادياً. ولكن هناك الكثير من التعقيدات وعدم اليقين يحولان دون أن نعتبره تغيراً محورياً. وأخيراً فيما يتعلق بالشخصية، فأوباما يمثل عقدة «الدكتور جيكل ومستر هايد». فجانب منه براجماتي والآخر عقائدي وهو قادر دائماً على رؤية جميع جوانب الجدل. ويبدو في غالب الأحوال في حرب مع نفسه ومدى الطموح الذي يريد أن يبلغه سواء فيما يتعلق بتغير المناخ أو إصلاح الضرائب أو حجم الحوافز. وهذا الصراع الشخصي جعل من الصعب للغاية أن يكون في سلام مع جمهوره. وأوباما بطبيعته ليس حزبياً فهو ليس شعبوياً ولا ثورياً، في الحقيقة. بل يجد منطقة راحته في التوفيق والاحتواء وفي العالم التجريبي من التحليل السياسي العقلاني. ومن الممكن أن تكون هذه الصفات نافعة في كثير من الظروف ولكن هذا لا يجعل منجز الرئيس يمثل تغيراً محورياً في النظام السياسي والاجتماعي الأميركي. ولا يستطيع أوباما أن يدعي لنفسه شخصية كينيدي الذي أسر خيال الأمة أو أن يرتدي عباءة رونالد ريجان الذي غير محور الجدل وبدّل مسار البلاد بحسب اعتراف أوباما نفسه. ومن الأرجح أن يكون أوباما أقرب إلى بيل كلينتون وهي مقارنة لاحظها المؤرخ ديفيد جرينبيرج بعد مرور عام على رئاسة أوباما. فكلا الرجلين حصدا أعداداً متشابهة في المجمع الانتخابي وإن اختلفا في عدد الأصوات الشعبية. وكلاهما واجه معارضة شديدة من الجمهوريين، وكلاهما ركز على الاقتصاد. وفي أحد الجوانب، نجد أن أوباما أفضل منجزاً من كلينتون فقد نجح في الرعاية الصحية ولم تنل منه فضيحة شخصية. ولكن في جانب آخر نجد أنه أضعف من كلينتون، فهو ليس سياسياً محبوباً ولا جيداً مثل كلينتون. ولا يرجح أن يترك المنصب متمتعاً بمعدلات تأييد كبيرة مثل كلينتون، ولا أن يترك اقتصاد البلاد قوياً كما فعل كلينتون أيضاً. آرون ديفيد ميلر باحث في مركز وودرو ويلسون الدولي ومستشار سابق لعدد من وزراء خارجية أميركا ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سرفيس»