مثّل فوز الفتاة الباكستانية ملالا يوسف زاي بجائزة نوبل للسلام لعام 2014، مناصفةً مع الناشط الهندي كايلاش ساتيارثي، فوزاً مستحقاً وتكريماً يليق بشجاعتها في الوقوف ضد الجهل والظلامية، ولإصرارها على السير في طريق التسامح والمحبة والسلام، كما قال الفريق أول سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، في تهنئته لملالا عقب إعلان فوزها. وجاء ذلك خلال اتصال هاتفي أجراه سموه مع ملالا يوم الجمعة الماضي، حيث خاطبها قائلاً : «إن عزيمتك يا ملالا في السعي للتصدي لدعاة الجهل والتشدد يقتدى بها، وهي نموذج ملهم لمحبي السلام والمتطلعين نحو مستقبل أفضل للبشرية». كما هنأت سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك رئيسة الاتحاد النسائي العام الرئيس الأعلى لمؤسسة التنمية الأسرية رئيسة المجلس الأعلى للأمومة والطفولة، ملالا لفوزها بجائزة نوبل للسلام، وأكدت أنه يمثل تقديراً لحق المرأة في التعليم ورسالة واضحة إلى من يحاولون مصادرة هذا الحق من خلال القمع والعنف، كما يعكس تأكيداً واضحاً على أن طريق السلام يمر عبر توفير تعليم جيد، خاصة بالنسبة للنساء في كل بقاع الأرض. وقد أعربت ملالا عن شكرها وتقديرها لقيادة دولة الإمارات العربية المتحدة لوقوفها بجانبها وقت المحنة، التي مرت بها في عام 2012 وتقديم جميع التسهيلات والإمكانات المعنوية والطبية لها، وقدمت الشكر لسمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، لمتابعته المتواصلة ورعايته ودعمه لها، الذي كان خير معين لها في مسيرتها من أجل العلم والمعرفة والسلام. وملالا يوسف زاي ناشطة باكستانية في مجال حقوق المرأة، من مواليد عام 1997 في بلدة مينجورا، بمنطقة وادي سوات في شمال غرب باكستان، حيث كان لحركة «طالبان» الباكستانية وجود ثقيل لبعض الوقت، عندما سعت لمنع تعليم البنات واعتبرته من المحرمات الدينية! لكن ملالا واجهت «طالبان» وأصبحت رمزاً للكفاح من أجل تعليم الفتيات، فتلقت عدة جوائز لكفاحها ضد التشدد والتطرف، خاصة بعد محاولة اغتيالها على أيدي «طالبان» حيث أصيبت بجروح خطيرة، فتكفلت دولة الإمارات بنقلها وعلاجها في الخارج. ومنذئذ ظلت ملالا تعيش في بريطانيا للعلاج والدراسة، كما تزور بلدها باكستان من حين لآخر، وتحرص على زيارة الإمارات ولقاء مَن وقفوا إلى جانبها في الأوقات العصيبة وشجعوها. وفي يوم الجمعة الماضي، وهي في سن السابعة عشرة من عمرها، حصلت على جائزة نوبل للسلام، مناصفة مع ناشط حقوق الأطفال الهندي كايلاش ساتيارثي، لتصبح أول امرأة باكستانية تنالها وأصغر فائز بالجائزة منذ إنشائها عام 1901. وقد بدأ اسم ملالا يعرف لعامة الناس لأول مرة في عام 2009، وكانت في سن الـ11، من خلال مدونة على موقع «البي بي سي» باسم «يوميات تلميذة باكستانية»، أدانت فيها عنف «طالبان» وحرقها مدارس البنات وقتلها معارضيها. وخلال سيطرة «طالبان» على وادي سوات (2007 -2009)، هُجّرت عائلة ملالا من المنطقة ولم تعد إلا بعد معركة سوات الثانية في مايو 2009، حيث أحكم الجيش الباكستاني سيطرته على المنطقة مجدداً. وكان ضياء الدين يوسف زاي، والد ملالا، صاحب مدارس الفتيات في وادي سوات، معروفاً بموقفه المناهض لـ«طالبان» ودعمه التدخل العسكري في المنطقة، وقد تم تعيينه في عام 2012 مستشاراً خاصاً للأمم المتحدة لشؤون التعليم. وفي 12 يوليو 2013 أطلقت ملالا نداءً من الأمم المتحدة مطالبةً بتكريس حق الفتيات في النفاذ إلى التعليم، وقالت إن المتطرفين يخشون من الكتب والأقلام، وإن قوة التعليم تخيفهم.. وقوبلت كلمتها بموجة تصفيق داخل المقر الأممي في نيويورك. لكن قبل ذلك تعرضت ملالا لمحاولة اغتيال من قبل أحد مسلحي «طالبان»، في 9 أكتوبر 2012، أثناء خروجها من المدرسة، حيث أصيبت بجروح خطيرة في الرقبة والرأس، وتم نقلها إلى المستشفى العسكري في بيشاور، وهناك تمت إزالة الرصاصة التي اخترقت جمجمتها وعنقها خلال عملية جراحية استغرقت خمس ساعات. ورغم أن الرصاصة لم تلامس الدماغ، فقد بقيت ملالا فاقدة للوعي، وفي حالة سيئة. وفور علم الفريق أول سمو الشيخ محمد بن زايد بما تعرضت له ملالا، أمر بنقلها في الحال على متن طائرة خاصة لتلقي العلاج في مستشفى برمنجهام بالمملكة المتحدة، حيث يعمل أطباء ذوو خبرة عالية اعتادوا التعامل مع إصابات معقدة لجرحى الحرب البريطانيين في أفغانستان. وفي 3 يناير 2013 غادرت ملالا المستشفى لمواصلة تأهيلها في المنزل، على أن تعود فيما بعد لإعادة ترميم جمجمتها. وقوبلت محاولة اغتيال ملالا بردود فعل منددة واسعة، وتقاطر المسؤولون والساسة الباكستانيون لعيادتها في المستشفى؛ ومنهم قائد الجيش الباكستاني، ورئيس الوزراء، كما أدان استهدافها وتمنى لها الشفاء كل من رئيس الجمهورية وقتها (آصف زرداري) وزعيم المعارضة (نواز شريف). ولشجاعتها وكفاحها المبكر دفاعاً عن حق الفتيات في التعليم، حصلت ملالا على العديد من الجوائز والأوسمة وشهادات التقدير، فنالت في ديسمبر 2011 «الجائزة الوطنية الأولى للسلام» في باكستان، وهي جائزة تمنحها الحكومة الباكستانية، وقد تغير اسمها لاحقاً لتصبح «جائزة ملالا». ثم حصلت في عام 2012 على جائزة سيمون دي بوفار لحرية المرأة (فرنسا)، وفي عام 2013 على جائزة السلام الدولية للأطفال التي تمنحها مؤسسة «كيدس رايتس» الهولندية، وفي العام نفسه على جائزة آنا بوليتكوفسكايا التي تمنحها منظمة «راو إن ور» البريطانية. وفي آخر ذلك العام مُنحت جائزة ساخاروف لحرية الفكر من البرلمان الأوروبي. وفي العام الماضي كانت على قائمة المرشحين لجائزة نوبل للسلام، والتي منحت أخيراً للمنظمة الدولية لحظر الأسلحة الكيماوية. وقبل إعلان الجهة الفائزة علّقت ملالا على ترشيحها ضمن قائمة نوبل بالقول: «أنا لم أنجز بعد أشياء كثيرة تؤهلني للفوز بجائزة نوبل للسلام». لكن لجنة نوبل للسلام في هذه السنة كان لها رأي آخر، وأعلنت يوم الجمعة الماضي منح الجائزة لملالا. وحقيقة الأمر أن ملالا أدركت مبكراً بحسها السليم خطر الجمود الفكري، الذي يؤدي إلى تعطيل جزء من طاقات المجتمع متمثلا في المرأة، ووضعت يدها على واحدة من معضلات التنمية في بلادها، فكافحت بجهد ووعي يفوقان سنها العمرية بمراحل كثيرة، لتأكيد حق الفتيات الباكستانيات في التمدرس والتعلم. وبذلك لفتت أنظار كثير من الجهات المعنية بالسلام والتنمية والاستقرار في باكستان وغيرها من دول العالم. وحظيت ملالا بسمعة دولية واسعة، وبدعم من نجوم ومشاهير غربيين، مثل أنجلينا جولي، وقادة دول عظمى مثل أوباما وبراون. وبعد صدور كتابها «أنا ملالا.. أقاتل من أجل التعليم وأقاوم طالبان»، في أكتوبر 2013، خصصت لها وسائل الإعلام البريطانية والأميركية تغطية واسعة، وأفردت لها مقالات صحفية وبرامج تليفزيونية وإذاعية. بيد أن كل هذا لم يكن ليتحقق لولا ذلك الموقف من جانب قيادة الإمارات ذات يوم من أيام عام 2012، حين لم يكن الكثيرون قد سمعوا باسم ملالا بعد، في علامة أخرى، أكدتها مجدداً نوبل السلام لعام 2014، على التوجه الصحيح لبوصلة الإمارات وصواب مواقفها الإنسانية دائماً. إنه فوز مستحق ويليق بتلك المواقف والمبادرات. محمد ولد المنى