جاء كتاب المؤرخ الفرنسي جيل فيراغو: «تاريخ الإرهاب» في وقت تقفز فيه أخبار جماعات العنف والتطرف إلى واجهة الأحداث السياسية والإعلامية في المنطقة العربية والعالم، كما ينشغل الرأي العام الدولي في كل مكان بتفاقم خطر الجماعات المتطرفة المسلحة التي تتهدد السلام والاستقرار في عدة مناطق من العالم. وكل هذا يفرض ضرورة الوعي بخطورة ظاهرة الإرهاب، ووضعها في سياقها الثقافي والتاريخي الذي أنتجها، وصولاً إلى تأمين المجتمعات الإنسانية وتحصينها وكسب المعركة الفكرية والثقافية، بصفة عامة، في مواجهة منظمات العنف والتعصب والجريمة المنظمة ذات الأبعاد والدعاوى السياسية أو الدينية. ويزيد من قيمة هذا الكتاب كون مؤلفه مؤرخاً محترفاً مهتماً بقضايا الأديان، وأستاذاً أكاديمياً مبرزاً في التاريخ، كما يدرّس أيضاً العلوم السياسية. وينطلق «جيل فيراغو» ابتداءً في كتابه الكبير الواقع في 488 صفحة من التنبيه إلى أن ظاهرة الإرهاب على رغم كل ما استحوذت عليه من اهتمام لدى القانونيين، والساسة، وعلماء الاجتماع، والصحفيين، ما زالت غير محددة بشكل دقيق بتعريف جامع مانع، ولذلك قد تشتبه لدى البعض مع مفاهيم أخرى موازية، أو حتى غير مشابهة لها في الدلالة. وعلى رغم قدم الظاهرة وانتشارها إلا أن ثمة أيضاً نقصاً محسوساً في المصنفات التاريخية الرصينة التي تعود بها إلى جذورها وبداياتها الأولى في الأزمنة المعاصرة، أو القادرة على تفكيك الظاهرة وتصنيف أشكالها بحسب الدوافع والأنواع والإيديولوجيات، سواء أكانت سياسية أم دينية أم طبقية أم قومية. ومن هنا يقترح الكاتب تأريخاً وتصنيفاً لظاهرة الإرهاب ضمن هذه الأبعاد والخلفيات المتباينة. كما أيضاً يولي اهتماماً لكيفية تطور الظاهرة وتحولها من السياقات المحلية أو الإقليمية المحدودة لتأخذ منذ النصف الثاني من القرن العشرين طابعاً عالمياً يزداد خطره، متأثرة في ذلك بما يتيحه عصر العولمة من فرص انتشار وإمكانات تواصل هائلة بين القارات. وينطلق المؤلف في تأريخه للإرهاب من بداية ظهور هذا المفهوم la Terreur مع نهاية القرن الثامن عشر بعيد تفجر الثورة الفرنسية، حيث أطلقه نابليون على من دبروا هجوم شارع سان نيكيس (وكان يعتقد أنهم اليعاقبة أنصار عنف سنة 1793)، وقد أثبت مؤرخون أن ذلك الاعتقاد لم يكن صحيحاً، ولكن الكلمة سرت منذ تلك الأيام على كل لسان لوصف العنف السياسي. وهنا يستعرض الكاتب نماذج وأنواعاً من أعمال العنف المسيّس المصنفة ضمن خانة الإرهاب على امتداد أكثر من قرنين من الزمن، حيث تفشى العنف السياسي في الغرب خلال القرنين التاسع عشر والعشرين، وامتد أيضاً إلى الشرق، ليعم فيما بعد مختلف قارات العالم. وضمن منهج التصنيف يخصص الكاتب كل فصل من فصول كتابه للغوص في تاريخ الظاهرة في منطقة جغرافية من العالم أو ضد دولة أو أقلية أو طائفة بذاتها، أو تحت ذرائع ودوافع إيديولوجية معينة، وكيفية تفاقم خطر كل جماعة، والتحقيب الجيلي للعناصر الإرهابية التي تنشط فيها عبر الزمن، وكذلك الاستجابات والسياسات التي تتبعها النظم والحكومات في مواجهة الظاهرة. وحتى إن كان القارئ يبقى أحياناً متعطشاً لمعرفة بعض التفاصيل عن كل جماعة عنف يتحدث عنها المؤلف دون تعمق، إلا أن مما يحسب له شمولية الكتاب وعدم اقتصاره على نوع معين من جماعات الإرهاب أو انسياقه وراء بعض الصور النمطية الرائجة في الثقافة العامة الغربية التي قد تربطه بثقافة «الآخر»، أو تمارس حيال تصنيفاته نوعاً من ازدواجية المعايير في إطلاق صفة الإرهاب، أو الخلط بينها وبين النضال السلمي المشروع الذي تخوضه بعض الشعوب لنيل استقلالها وحريتها، بعيداً عن أي عنف من أي نوع. يذكر أخيراً أن كتاب «فيراغو» يستدعي في موضوعه وعنوانه «تاريخ الإرهاب» كتاباً فرنسياً آخر صدر في سنة 2002 للمؤلف «دومينيك فينيه»، إلا أن ما يميز كتاب «فيراغو» هو شمولية طرحه وعدم استثنائه إرهاب أية جماعة أو ملة أو طائفة، وأيضاً رؤيته المنهجية الخاصة لمفهوم تاريخ الإرهاب، حيث إن الأمر لا يتعلق فقط بتجميع كمي مدقق وموثق لوقائع وأحداث عنف دولية عبر تسلسل زمني، وإنما يتجاوز ذلك لتفكيك وتحليل خلفيات هذه الأحداث والربط فيها بين الأسباب والمسببات. وفي المحصلة يقدم مقاربة منهجية لاستشراف مستقبل الظاهرة التي يتوقع في خاتمة كتابه أن تتفاقم بشكل خطير خلال القرن الحادي والعشرين، داعياً إلى البحث عن حلول واستجابات سياسية وثقافية للقضاء عليها في الأخير وتخليص العالم من شرها المستطير. حسن ولد المختار ----- الكتاب: تاريخ الإرهاب المؤلف: جيل فيراغو الناشر: بيرين تاريخ النشر: 2014