لم يكن للأحداث المتسارعة في العراق وسيطرة «داعش» على أجزاء من شماله أن تكون بعيدة عن الدوائر السياسية والعسكرية في إيران. ويمكن القول إن عدم دعوة إيران لمؤتمر جدة ومن بعده مؤتمر باريس، يعتبر تاريخا لقياس الموقف الإيراني من التحالف الدولي قبل انعقاد هذين المؤتمرين وبعدهما. ونسير مع القارئ هنا لمحاولة قراءة الموقف الإيراني وما طرأ عليه من تغيرات قبل وبعد. الوجه الحسن لـ«داعش» تمثل في وجود مساعٍ دولية لمواجهته والتسليم بأن هذا الأمر لا يمكن أن يتحقق سوى باستثمار جميع الطاقات في مواجهة هذا التنظيم الإرهابي. ومع ظهور إشارات إيجابية من الدول الغربية مثل فرنسا وبريطانيا وحتى أميركا في مسألة الاستفادة من إيران في المجهود الدولي ضد «داعش»، كانت التصريحات الإيرانية تسير حول عدم وجود إشكالية في المشاركة في هذا الجهد، شريطة أن تكون أميركا كما قال الرئيس الإيراني جادة في محاربتها للإرهاب. وعبارة «جادة» تحمل معها منظوراً إيرانياً لعله يكون مغايراً لما تحمله بقية الدول المشاركة في هذا التحالف. فالجدية في محاربة هذا التنظيم يقرأها النظام الإيراني على أنه يتوجب معها الاعتراف بالحكومات التي تواجه على أرضها هذا التنظيم، وبالتالي ضرورة التنسيق معها لمواجهته، وبذلك تعتبر هذه التحركات جادة لمواجهة الإرهاب وليس لها مآربها الأخرى. فسارت الموافقة الإيرانية غير المباشرة والمغلفة بردود فعل إيجابية، مترقبة لموقف إيجابي من قبل الدول المتحالفة يفضي إلى مشاركة النظام السوري الجهد في مواجهة «داعش»، ولكن ما أن جاء مؤتمر جدة يليه مؤتمر باريس حتى استشعر النظام الإيراني خطر هذا التحالف على نفوذه في المنطقة في حال تم التأثير سلباً على نظام بشار الأسد، إذا ما وضعنا في الحسبان عدم التنسيق معه لضرب «داعش»، وفي المقابل تدريب المعارضة السورية المعتدلة وتسليحها وهي التي تشكل خطراً على بشار الأسد ونظامه. لم يتأخر الرد الإيراني على عدم دعوته لحضور المؤتمرين، وجاء من أعلى المستويات حيث صرح المرشد الإيراني أن إيران هي من رفضت المشاركة في هذا التحالف، كما صرح مسؤول آخر بأن أميركا حاولت التواصل مع عدد من السفراء الإيرانيين في عدد من البلدان بهدف مشاركة إيران في المجهود ضد «داعش» وهو أمر نفته الولايات المتحدة ثم عادت لتشير أن أمرا من هذا القبيل قد حدث، وأنه من الممكن الاستفادة من الجهود الإيرانية في هذا الشأن. نتائج هذين المؤتمرين واستبعاد إيران وكذلك عدم التنسيق مع النظام السوري في الجهد العسكري ضد داعش على الأراضي السورية يعتبر العنصر الرئيس للموقف الإيراني اللاحق. ويمكن للمتتبع أن يلاحظ وجود قاسم مشترك في تصريحات المسؤولين الإيرانيين حيال المستجدات الأخيرة، وذلك التحالف التي تقوده الولايات المتحدة، حيث يمكن ملاحظة ذلك في: أولاً: التشكيك في النوايا الأميركية من هذا التحالف والأهداف المرجوة منه وكيف ستؤثر تلك الأهداف على المصالح الاستراتيجية الإيرانية في المنطقة. ثانياً: اعتبار ما وصل له «داعش» نتاجاً لذلك الدعم الذي لقيه من خلال دول في المنطقة وبمساندة الغرب وأميركا له. ثالثاً: تأتي إيران بوصفها من الدول الرائدة والسباقة في مواجهة الإرهاب، وأنها لا تنتظر الإذن من أحد في هذا الشأن، كما تعتبر سرعة استجابتها وتدخلها في العراق العامل الرئيس الذي حال دون سقوط بغداد. رابعاً: لا يوجد مسوغ شرعي لهذا التحالف، وهو فاقد لأهليته وما يقوم به ليس سوى محاولة معالجة أخطاء الماضي. لا شك أن وجود تنظيم مثل «داعش» وتنامي قوته سواء في سوريا أو العراق أمر يأتي مغايرا تماماً للمصالح الإيرانية لما له من تأثير على مصالحها ونفوذها هناك بالإضافة إلى ما يمكن أن يشكله هذا التنظيم الإرهابي من خطر مباشر على إيران. ولذا فإن إشكالية المنظور الإيراني لهذا التحالف لا تتمثل في الضربات الموجهة ضد «داعش» والتنظيمات الإرهابية، وإنما في النتائج اللاحقة لمثل هذه الضربات وكيف ستنعكس نتائجها على حضورها وعلى بقاء الحليف الاستراتيجي لها. استبعاد إيران من التحالف والتخوف على مستقبل الحليف الاستراتيجي لها في سوريا دفع بالمسؤولين الإيرانيين إلى انتقاد شامل لمثل هذا التحالف والذي اُعتبر ذريعة لاستمرار بقاء أميركا في المنطقة ومحاولة لما أطلقت عليه بـ«الدول التائبة» إشارة إلى بعض دول المنطقة لتصحيح أخطائها السابقة في دعم هذه التنظيمات الإرهابية. مما تقدم يتضح أن النظام الإيراني سيواصل توجيه انتقاداته لهذا التحالف في ظل استبعاده وتخوفاته من تبعات هذا التحالف خاصة في ظل محاولة أميركا دعم المعارضة السورية المعتدلة، التي ستؤثر مباشرة على نظام بشار الأسد. فإعلان «البنتاجون» عزمه تدريب 5000 عنصر من المعارضة السورية المعتدلة في السنة الأولى أمر يشكل معضلة حقيقية، وهو ما يدفع بالمسؤولين الإيرانيين للتشكك من المغزى الكامن وراء هذا التحالف وأهدافه الحقيقية. إن إفصاح علي أكبر ولايتي المستشار السياسي للشؤون الدولية للمرشد، وإعرابه عن أمله في أن تكون الحرب التي بدأت ضد الإرهاب حقيقية، يؤكد أن هذه المفردات وغيرها ستكون محط حضور لدى المسؤولين في إيران لإبداء القلق من هذا التحالف ونتيجته النهائية.