كل عام وأنتم بخير. مازالت نفحات عيد الأضحى تُشجي نفوسنا بروائحها الطيبة المباركة من عند الله تعالى، ولا تزال بركات هذه الأيام تُعطر أرواحنا التي تعبت من وعثاء السفر، في هذه الحياة لتبعث فيها روح الأمل بأننا أمة ولله الحمد ولّادة للخير رغم كل التحديات التي تواجهنا على المستوى الوطني والقومي. الحج رفع أهم شعار للبشرية، تتغنى به الأمم المتحضرة في يومنا هذا، إنه شعار المساواة بين الناس، فكلنا لآدم وآدم من تراب. فما أجمل ذلك الرداء الأبيض الذي يُغطي الحجاج به أنفسهم كي يتذكروا حقيقة أمرهم، هم أمام الله سواء في الدنيا وعند الموت سيكفنون بنفس اللون الأبيض لكنهم يتميزون هناك ليس بأحسابهم ولا أنسابهم بل بإيمانهم وأعمالهم. حرمة الدماء من أهم تعاليم الحج التي أكد عليها رسولنا محمد عليه الصلاة والسلام في حجة الوداع، والتي من الواجب تذكرها، والأمة تمر بهرج ومرج رخّصت فيه بعض الجماعات المتطرفة دماء الأبرياء ونحرتهم نحر الشياة فلا كرامة لمسلم أو مُعاهِد عندهم، كما ورد في الصحيحين عنه عليه الصلاة والسلام (فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ بَيْنَكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا). فلا يوجد ذنب حذر منه الشارع بعد الشرك بالله مثل الدماء، جاء هذا العيد والمئات من الناس قد فقدوا أحباء لهم بسبب غلو هذه الجماعات وفهمها الخاطئ لهذا الدين الذي هو براء مما ينسب له جهلاً من قبل هؤلاء المتطرفين. جاء العيد يذكرنا- ونحن في هذه الدولة تغمرنا البهجة والمحبة والرخاء- بنعمة مفقودة اليوم في الكثير من دول العالم العربي أنها نعمة الأمن والأمان، فمن الواجب علينا أن نقف صفاً واحداً لمواجهة كل ما يهدد أمننا، فلا تنمية حقيقية والأمن مفقود، ولا نهضة تُرجى والأمان حلم منشود. فتحية نوجهها لك من أسهم في هذا الإنجاز وعلى رأسهم قيادتنا الرشيدة التي جعلت الإنسان رقماً صعباً في معادلة التنمية في وطننا، والشكر موصول لرجالات سهروا عندما نمنا كي نستيقظ ودولتنا في خير وعافية بعيدة عن القواصم التي عصفت بالكثير من العواصم. عيد الحج هو عيد الأضحية، نتذكر من خلالها التضحية بكل ما تحمله هذه الكلمة من معانٍ، فقد شرع سيدنا إبراهيم عليه السلام كي يضحي بابنه إسماعيل عليه السلام استجابة لأمر الله الذي رآه في المنام، وعندما هم بتنفيذ ما أمر به جاء الفرج من الرحمن الرحيم، فأصبحت الأضحية شعيرة من شعائر هذه الأمة حتى قيام الساعة كي نتذكر أن التضحية أمر مطلوب من كل مسلم. فمن أجل الأوطان ترخص الدماء، ويفتديها المخلصون في الرخاء وعند البأس والضراء. فما أكثر المدعين لحب الوطن، لكن الاختبارات التي تمر بها الأمة اليوم عرّت بعض التوجهات، وفضحت بعض الجماعات التي رفعت شعار الوطن، وقد كانت تنخر في بنيانه، محاولةً هز أركانه. لكن هيهات هيهات، فقد قيض الله لهذا الوطن قيادة رحيمة بشعبها، شديدة على كل من سولت له نفسه العبث بمقدرات ومنجزات هذا الوطن، ومعهم مواطنون مخلصون يؤمنون أن لا خير يُرتجى إن فُقد الأمن والأمان في الأوطان فكان ولا يزال البيت متوحدا تحت راية واحدة اجتمع الناس على حبها وتعاهدوا على التضحية بكل شيء من أجلها.