من الممكن أن يتفاقم وباء الإيبولا، الذي انتشر في غرب أفريقيا وراح ضحيته أكثر من ألفي شخص، قبل أن تتحسن الأوضاع، خاصة فيما إذا تطور المرض لينتشر من شخص إلى آخر عبر الهواء. كما أنه من الممكن أن ينتهي به المطاف إلى المدن الرئيسية في أوروبا والولايات المتحدة أو في الهند أو الصين. فهل سيحدث هذا فعلا؟ الواقع أنه لا أحد يملك الإجابة القاطعة. وعودةً إلى عام 1976، فقد أدى أول اندلاع لوباء الإيبولا في الكونجو الديمقراطي (زائير سابقاً) إلى إصابة 318 شخصاً ووفاة 280 حالة. ومنذ ذلك الحين، حدثت تغيرات كثيرة لتجعل الفيروس أكثر قدرةً على الحركة. كما أن منطقة غرب أفريقيا تعد من أكثر المناطق المكتظة بالسكان، والناس هناك يتحركون أكثر. وهناك شبكة خطوط جوية عالمية تربط لاجوس ومونروفيا وغيرهما من المدن المتضررة بالمراكز السكانية الرئيسية الأخرى في أفريقيا وسائر أنحاء العالم. أما الظهور الحالي للفيروس، الذي بدأ في غينيا وسيراليون وليبريا، فقد امتد إلى السنغال ونيجيريا. وتتوقع منظمة الصحة العالمية أن يبلغ عدد المصابين بالفيروس بحلول منتصف أكتوبر الجاري حوالي 12 ألف شخص، إذا ما استمر نمو الوباء كما هو في الوقت الحالي. وتشير نماذج المحاكاة بالمماثلة إلى أن الأمور ستزداد سوءاً، مع احتمال ارتفاع أعداد المصابين إلى أكثر من مليون بحلول مطلع العام المقبل. وعندما يحدث شيء مخيف، نكون في حاجة إلى سماع أجوبة مطمئنة. نحن مجموعة من الخبراء مهمتنا تحليل التطورات المرجح حدوثها، لكن إذا ما كنا واقعيين، لا يجب أن نتوقع شيئاً مؤكداً. وتَجمع النمذجة الحديثة للأوبئة بين أجهزة الكمبيوتر مع الكثير من البيانات حول تحركات الإنسان، مع الأخذ في الاعتبار التفاصيل الدقيقة لشبكات النقل الفعلية. ويقوم العلماء بتشغيل نماذج المحاكاة التي تبدأ بانطلاق الوباء في بعض المواقع، وتتبع انتشاره. وتكون التوقعات الناتجة أكثر دقة عما قبل، لكن الوباء، مثل الطقس، غير مؤكد بدرجة كبيرة لأسباب وجيهة. فبمجرد وصول شخص مصاب إلى مدينة بعيدة مكتظة بالسكان، يمكن أن يكون لذلك تداعيات ضخمة. ويعتمد مصير الوباء أيضاً على ردود فعل الناس والسلطات الصحية، والتي تتطلب وجود صناع للنماذج لإدارة السيناريوهات المختلفة لسرعة وصول استجابة الإنسان. وتكون النتيجة عبارة عن مجموعة واسعة من النتائج المحتملة، والتي تعكس حقيقة أن المستقبل غير مؤكد، وغالباً ما يعتمد بشكل حاسم على ما نفعله غداً والأسبوع القادم. ويكون من الأسهل بكثير إبطاء الوباء في مراحله الأولى، عندما تكون الحدود بين المصابين وغير المصابين صغيرة نسبياً، أكثر مما يكون عليه الحال عند انتشار المرض على نطاق أوسع. وفي هذا الصدد، فالخبر السار هو أن الوباء لم يصل بعد إلى القارات الأخرى وأن الدول الأفريقية تراقب بعناية تدفقات حركة المرور من المناطق الأكثر تضرراً. وتظهر النماذج التي قام الباحثون بتشغيلها في جامعة كولومبيا تلميحات إلى أن الإجراءات الصحية بدأت في إبطاء وتيرة انتشار المرض، على الأقل في غينيا وليبريا. ويتولى كونسورتيوم آخر من واضعي النماذج القيام ببحث حي مع إضافة التحديثات بصورة مستمرة. ومن ناحية أخرى، فإن سلطات الصحة العامة في الدول الصناعية لديها خبرة كبيرة في الوقاية من الأمراض القادمة عبر الحدود الدولية. ويتمثل التحدي في أن وجود شخص مصاب بوباء الإيبولا ويمكنه حمل الفيروس لمدة تصل إلى ثلاثة أسابيع دون ظهور أية أعراض. وبالتالي، فإنه لن يكون من المستغرب إذا بدأ ظهور حالات في أماكن أخرى حول العالم. وأهم وقت للاستجابة هو الآن، قبل أن يكون هناك احتياج لموارد أكبر ضرورية لاحتواء المرض. والاستجابة الفعالة لأي وباء تتعلق بتوافر المعلومات بقدر احتياجها للعقاقير. وعندما أحدث فيروس «سارس» (التهاب رئوي لا نمطي حاد) ذعراً عالمياً في عامي 2002 و2003، أكد ذلك على الحاجة إلى تقاسم دولي أكبر للمعلومات. ومنذ ذلك الحين، شهد التعاون بين الدول الآسيوية والغربية تطوراً كبيراً، الأمر الذي يجعل الاستجابة السريعة ممكنة. لكن أفريقيا لم تتمكن من إحراز تقدم مماثل، رغم دور القارة كبؤرة محتملة لمجموعة من الأمراض التي يمكن أن تنتشر من الحيوان إلى الإنسان. إن مشكلة وباء الإيبولا ليست مشكلة بيولوجية فقط. ويعتمد التهديد بعيد المدى إلى حد كبير على كيفية تشكيل البشر للبيئة العالمية. وفي أفريقيا، فإن فقدان الموائل الطبيعية لبعض المخلوقات، مثل خفاش الفاكهة، قد زاد بصورة كبيرة من التفاعلات بين الناس والحاضنات الطبيعية لفيروسات مثل الإيبولا. وعلى الصعيد العالمي، فإن التقدم الهائل في شبكات النقل أصبح يسهل انتشار الأمراض إلى أماكن أكثر بعداً وبسرعة أكبر مما كان عليه الحال سابقاً. ربما يكون هذا الوباء آخذا في التباطؤ، لكن كل مرة ينتقل فيها من شخص إلى آخر تكون هناك فرصة أخرى ليتحول إلى شيء أكثر نقلا للعدوى. وقد ذكر لي أحد العلماء البارزين، وقد عمل في مجال تطوير نماذج للوباء لأكثر من عشر سنوات وشهد وباءي «سارس» و«إتش 1 إن 1» مباشرة، أن هذه هي المرة الأولى التي يشعر فيها بالخوف «لمجرد أننا لا نعرف ما الذي قد يحدث». ------ مارك بوكانان خبير مختص في الشؤون الصحية ------ ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»