قد لا يكون «دوايت آيزنهاور» أعظم الاستراتيجيين العسكريين والتكتيكيين في الحرب العالمية الثانية التي استمرت بين عامي 1939 و1945، لكنّه كان من دون أدنى شك، الرجل الأكثر كفاءة في قيادة التحالف الأضخم والأكثر انطواءً على صعوبة إدارته، والذي تم تجميعه لتنفيذ أضخم العمليات العسكرية في تلك الحرب. لقد دخلت الولايات المتحدة الحرب في شهر ديسمبر 1941، إلا أن مشاركتها فيها لم تتبلور بشكل فعال إلا في أواسط عام 1942. وسرعان ما أصبحت قوة مؤثرة وفعالة في تغيير موازين القوى على الأرض الأوروبية. وبحلول عام 1943، بدأت المشاركة الأميركية من حيث عدد الجنود والأسلحة والمعدات تتعدى إمكانات الجنود البريطانيين الذين كانوا في خضم المعركة ضد الألمان النازيين منذ بداية الحرب عام 1939. وهذا التسلسل الزمني للمشاركة الأميركية في التحالف الغربي ضد ألمانيا النازية التي كانت تحتل معظم بلدان أوروبا، يعني أن الغزو الذي اقترحه الحلفاء لفرنسا، والذي تقرر إطلاقه عام 1944، لابدّ أن يكون بقيادة رجل عسكري أميركي. وتم اختيار «آيزنهاور» لأن هذه المهمة تتطلب الحنكة السياسية والقدرة الخارقة على إقناع كبار الضباط الذين يمثلون بقية قوى التحالف بالخطط والاستراتيجيات المعتمدة، خاصة أن القادة العسكريين الأوروبيين ورثوا عن تاريخهم العسكري العامر بالحروب، صفات الصلف والغرور والتعصب للرأي. ولقد عُرفت هذه الصفات في القادة البريطانيين والكنديين، وبعدهم الفرنسيين لأن فرنسا كانت في تلك الفترة تحت الاحتلال النازي. وكان الوفاق بين القادة العسكريين ضرورياً وشرطاً أساسياً لتحقيق الإدارة الناجحة للحرب الشاملة التي تهدف إلى إلحاق الهزيمة بألمانيا النازية في دول أوروبا الغربية التي كانت تحتلها. وأصبحت تواريخ المعارك السياسية التي دارت بين أولئك القادة مشهورة، ولعل أشهرها تلك التي وقعت بين «آيزنهاور» والفيلد مارشال البريطاني «برنارد مونتغومري» في الوقت الذي كان فيه الحلفاء يحتفلون بانتصارهم المؤزّر على الألمان في شهر مايو 1945. وحتى الروس الذين دخلوا حربهم ضد ألمانيا النازية انطلاقاً من أقصى شرق أوروبا، عبروا عن إعجابهم الشديد بالمواهب القيادية العسكرية للجنرال «آيزنهاور». أما الآن، فإن أوباما يحاول أن يجمع تحالفاً من الدول الغربية والعربية لخوض الحرب ضد تنظيم «داعش». وعلى الرغم من أن الحرب الجديدة لا يمكن أن تُقارن بالحرب العالمية الثانية، فإن أوباما يواجه مجموعة من الخيارات المعقدة الصعبة. فلقد قرر استبعاد مشاركة القوات البرية للولايات المتحدة في هذه الحرب فيما عدا بضع مئات من القوات الخاصة المكلفة حماية الدبلوماسيين الأميركيين وتوجيه العراقيين أثناء خوضهم للمعارك ضد «داعش». ويعتمد الخيار الأميركي الأساسي على الضربات الجوية. لكن، وطالما أنه من الواضح بأن الحسم السريع للمعركة ضد «داعش» لن يتحقق من دون إطلاق حملة برية ضخمة، فإن الدول التي يمكنها تقديم القوى العسكرية البرية سوف يكون لها القول الفصل في إدارة المعارك المقبلة. وفي حربي الخليج الأخيرتين، عامي 1991 و2003، كانت الولايات المتحدة القوة العسكرية المسيطرة على الأرض والجو، ولم تكن إدارة الحربين تمثل مشكلة أبداً. لكن هذه المرة تختلف الأمور كثيراً بسبب رفض الولايات المتحدة الانزلاق نحو توريط قواتها البرية في الصراع. ويبدو من المستبعد جداً، وربما يكون في حكم المستحيل، أن تقبل الدولتان الأكثر تعرضاً للضغوط لاستخدام قواتهما البرية، وهما العراق وتركيا، بأي نوع من الوصاية الإدارية العسكرية الشبيهة بتلك التي كان يفرضها الجنرال «نورمان شوارزكوف» على القيادات العسكرية إبان حرب الخليج الأولى، ولا أمثال الجنرالين «تومي فرانكس» و«دافيد بترايوس» الذين تعاقبا على قيادة حرب الخليج الثانية. ولا شك أن صناعة القرار الإداري القيادي المتعلق بهذه الحرب سوف يكون أكثر تعقيداً وغموضاً لو أن بعض الدول العربية اتخذت قرارها بإقحام قواتها البرية في القتال. ولا شك أيضاً أن المعركة السياسية الدائرة بين المتحالفين أنفسهم حول التكتيكات والاستراتيجيات العسكرية التي ينبغي تبنّيها في هذه الحرب، سوف تكون أسهل تداركاً لو بدا للفرقاء أنها ستحسم خلال بضعة أشهر بدلاً من بضع سنوات. إلا أن الحسابات كافة تشير إلى أن دحر «داعش» على الأرض سوف يستغرق وقتاً طويلاً طالما أنه يتطلب قوات برية تتكلف بمهمة احتلال المدن والبلدات والقرى التي تقع الآن تحت سيطرة التنظيم الإرهابي. ويكمن الخطر الأكبر في أن يعلق المدنيون في وسط القوات المتحاربة أثناء إنجاز عملية تحرير مدنهم وقراهم. وسوف يكون أغلب هؤلاء الضحايا من أهل السنّة، ما سيجعل وجهاء العشائر السنية أكثر تشككاً بالولايات المتحدة والغرب والجيش العراقي ذاته. لهذه الأسباب كلها، يواجه أوباما الآن أكبر تحدٍّ في سياسته الخارجية، حتى أصبح الحديث حول حجم المشاركة الأميركية في هذه الحرب يمثل معضلة سياسية بالغة التعقيد، خاصة بعد أن أعرب العديد من نواب «الحزب الديمقراطي» الأميركي عن تخوفهم من «انحراف المهمة» عن أهدافها الأصلية. وفي مقابل ذلك، يعتقد صقور «الحزب الجمهوري» المتشددون بأن سياسة أوباما يمكن تلخيصها بأنها «وظفت القليل من الإمكانات وفي وقت متأخر» لخوض حرب تهدد المصالح الحيوية للولايات المتحدة. ومن المؤكد أن استجابة الأميركيين لنفير الحرب سوف تزداد زخماً وحماسة لو أن «داعش» وحلفاءها نجحوا في إطلاق سلسلة من الهجمات القوية فوق الأراضي الأميركية ذاتها. ومن دون حدوث هذا التطور، لن تتم الموافقة على اشتراك القوات البرية الأميركية في الحرب، وحتى لو تم اتخاذ قرار كهذا، فإنه سيحتاج إلى موافقة الكونجرس. وحتى الآن لم يتقدم أحد بمشروع قرار حول هذا الموضوع ليتم التصويت عليه. ولهذا السبب، أنا أعتقد أن الغموض المتعلق بطريقة اختيار القيادات العسكرية التي سيعهد إليها بإدارة هذا التحالف سوف يتفاقم.